| ||||||||||||||||||
تنقية السنة النبوية من
الشوائب: تأليف: عيسى عبدالرحمن السركال
الشارقة، الامارات العربية المتحدة تاريخ النشر: 18 مايو 2023 آخر تحديث: 22 مايو 2023
رابط المقال على صفحة فيسبوك للتعليقات مُقدمــــــــــة قال تعالى: "وما صاحِبُكُم حديث البخاري الذي يقول فيه "سأزيده على السبعين" جعل ابوحامد الغزالي
يفقد صوابه، وكاد ان يقع مغشيا عليه، وقال عن الحديث: " يُفسر البعض الاية القرآنية "وما ينطقُ عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يُوحىَ" بأن المقصود بها كلام النبي كله، وليس القران فقط، فهل هذا الهبل المنسوب اليه وحيٌ يُوحىَ؟! الحديث قيد النقاش يقول ان رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) مرّ على قوم يلقحون النخيل، فسأل: ماذا يفعل هؤلاء؟ قالوا يلقحونه. فنصحهم قائلا: لو لم تفعلوه لصلح! أخذ القوم بنصيحته وتوقفوا عن التلقيح. فَسَدَ بلح النخيل. ثم مرّ عليهم بعد فترة من الزمن فرأى البلح في نخلهم يبدو غريبا، فسألهم قائلا: مالي ارى بلحكم غريب الاطوار؟ فقالوا نصحتنا بالتوقف عن تلقيحه، فخرج شيصا. أجابهم قائلا: أنتم أعلم بأمر دنياكم! تخيل انك واقف تملأ السيارة وقود، فرآك شخصٌ وقور، له مكانة في المجتمع، ثم نصحك قائلا: لو وضعت بدل الوقود ماء لصلح! قالها بكل ثقة وكأنه خبير في ميكانيكا السيارات. أخذت بنصيحته فتعطل المحرك. ثم أتاك في اليوم التالي فوجدك تصفق الكف بالكف حُزنا وحسرة على سيارتك المتعطلة، فسألك قائلا: ما لسيارتك لا تعمل؟ اجبته والقهر يفتك بك، أخذتُ بنصيحتك، وهذه هي النتيجة. فرَدّ عليك بكل هدوء وبرود اعصاب: انت اعلم بأمر سيارتك! انصرف الرجل وأكمل سيره، وكأن الامر لا يعنيه، ولا كأنه هو المتسبب المباشر في كل ما حدث. هل ستقبلها من شخص عادي ان يتصرف معك على هذا النحو؟ فما بالك برجلٍ جعله القومُ زعيما، وآمنوا به نبيا ورسولا؟ ألا ترى ان ما فعله ضربا من بلادة العقل والبلاهة المفرطة؟ وبعدين؟ هل قام مثلا بجمع التبرعات لاصحاب المزرعة تعويضا لهم عن الخسارة الفادحة التي تسبب لهم فيها؟ أين تكملة القصة؟ وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. لم يكن لدى مؤلفوا الاحاديث قصص وحكايات، ولم يكن الهدف من تأليفها ان يذكروا القصة بحد ذاتها، ثم يتركونها لك تستنتج منها دروسا وعبر، وانما إيصال رسائل مبطنة، مُغلفة في قصص ملفقة، الهدف منها الاساءة للنبي، أو التحايل على حكم شرعي، أو الدس في الدين عقيدة فاسدة، لذا تجدها قصصا مبتورة، وبمجرد ان يرى مؤلف القصة ان الرسالة وصلت، يتوقف عن تكملتها، حتى لا تختلط الأفكار في بعضها، بما سيؤدي الى احتمال فهم الرسالة بالغلط. حديث "أنتم أعلم بأمر دنياكم" أخرجه مسلم، وهو من رواية حماد بن سلمة، وقد رأينا في مقال سابق انه كان له حفيدا زنديقا اسمه عبدالكريم، وكان يدس الاحاديث في كتاب جده. وعندما ترى بصمات عبدالكريم في حديث، فاعلم انه موضوعا، أو قد جرى فيه تدليس.
علل الحديث أخرج مسلم
الحديث بثلاثة روايات، تختلف في ألفاظها بعض الشيئ.. يُصرّح مؤلف الرواية
الثانية في صحيح مسلم بأن هذه الحادثة وقعت حين قدم النبي الى المدينة مهاجرا من مكة: " التاريخ الذي اعتمده المسلمون في وصول النبي الى المدينة هو 12 ربيع الاول في السنة الاولى للهجرة، وهذا بالتقويم الشمسي يعادل (26 سبتمبر 622)، وهو نهاية فصل الصيف وبداية دخول الشتاء.. تترواح فترة تلقيح النخيل في الخليج والسعودية ما بين ابريل الى اخر مايو كأقصى حد، بحسب أصناف النخيل وانواع تربتها.. وهذا يُرينا ان القصة كلها كذب وتلفيق. يقول أهل الحديث ان الروايات تُكمل بعضها، ويعتمد البخاري ومسلم القاعدة القائلة بأن زيادة الثقة مقبولة، وبناءا على هذه القواعد التي أقروها واعتمدوها نجد ان التاريخ الذي ذكرته الرواية الثانية يسري على الروايتين الآخرتين، وعليه فإن كل هذه الروايات الثلاث ساقطة بسبب مخالفتها الواقع التاريخي. ويقول مؤلف الحديث الثاني في صحيح مسلم: "مررت مع رسول الله (صلى الله عليه
وسلّم) بقوم على يقول الاول ان الرسول قدم المدينة وهم يلقحون النخيل.. وربما سيأتي يحاول الترقيع بالمغالطات، ويقول مثلا انه ليس بالضرورة في نفس الوقت بالضبط.. ها هو الحديث الثاني يقول انهم كانوا على رءوس النخيل.. الروايات تُكمل بعضها. افترض مثلا ان يقال ان فلانا من الناس زار اصدقائه وهم يتناولون طعام العشاء.. كيف ستفهم هذه العبارة؟ ولكن اتى من يغالط في هذا الفهم البديهي الذي يخطر على البال من أول وهلة، فإذا بمخبر آخر يأتيك بمعلومة انه زارهم وملاعق الطعام في فمهم، فهل تحتاج بعد هذا الكلام الى تأكيد انه قدم عليهم في اللحظة التي كانوا فيها يتناولون العشاء؟ الحديث يقول ان الرسول قدم "المدينة" وهم يلقحون النخيل، وليس على أولئك القوم الذين كانوا في المزرعة فقط، وانما قدومه المدينة مهاجرا من مكلة كان في الوقت الذي كانوا فيه على رءوس النخيل، يلقحونها. خطأ تاريخي كارثي لا يمكن الترقيع فيه بأي طريقة كانت. بعد أن رأينا ان الحديث لا يمكن أن يصح تحت أي ظرف كان، لمخالفته التاريخ مخالفة فاضحة، لنرى الان بعض المشاكل في اسناده. 141 - (2363) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد.
كلاهما عن الأسود بن عامر. قال أبو بكر: حدثنا الأسود بن عامر. حدثنا
حماد بن سلمة
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وعن ثابت، عن أنس:
أن النبي (صلى الله عليه وسلّم) مر بقوم يلقحون. فقال "لو لم تفعلوا
لصلح" قال فخرج شيصا. فمر بهم فقال "ما لنخلكم؟" قالوا: قلت
كذا وكذا. قال "أنتم أعلم بأمر دنياكم" (مسلم)
حماد بن سلمة يروي الحديث بطريقين، الاول عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة، والثاني عن ثابت البناني عن أنس بن مالك. قال الدارقطني عن حماد بن سلمة في هذا الحديث: "خالفه خالد بن الحارث،
ومحاضر، وغيرهما، رووه عن هشام، عَنْ أَبِيهِ، عندما تقرأ في حديث يرويه ابوهريرة مثلا، ويقول فيه "قال رسول الله"، هذا التعبير لا يعني بالضرورة ان ابوهريرة هو شخصيا سمع الرسول يقول الحديث، ولكن يُحتمل انه سمع الناس في عصره يقولون الحديث، فقال كما يقولون. بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، ظل التعبير في نسبة الاحاديث للرسول كما كان في عهد الصحابة، وكان كل من هب ودب يؤلف قصة وينسبها للرسول، (قال رسول الله)، ومن غير ان يذكر الوسيط الصحابي الذي اخبره بها، وتنتشر القصة، ويتداولها الناس، ولا سبيل لمعرفة مصدرها الاصلي. هذه الروايات التي ليس بين راويها وبين عهد الرسول وسيط صحابي، تُسمى مراسيل. ومع تقدم الزمن وتطور علوم الحديث، تم اعتماد قاعدة ان المرسل ضعيف، هنا قام الزنادقة واصحاب الاهواء والمصلحة بوصل المراسيل، لتصبح قصص وأقوال مُوثّقة، ويتم هذا بإدخال اسم صحابي في سند الرواية، وكان حديث النخل احد المراسيل التي أوصلوها. الظاهر ان عبدالكريم رأى الحديث مُرسل، فأوصله بعائشة، وبما ان الخبر الشائع هو الارسال، قام ووضع للحديث طريقا آخر عن ثابت البناني، لتبدو الرواية حقيقية، اتت بطريقين، ثم دس الحديث المُعدّل في كتاب جده. يقول أحمد بن حنبل: "أهل المدينة إذا كان الحديث الاسلوب الذي اتبعه عبدالكريم في احالة الحديث الى ثابت عن أنس ليس جديدا.. استنادا الى قول أحمد بن حنبل، أي حديث غلط يحيله أهل البصرة الى ثابت عن أنس. حديث حماد بن سلمة هو الحديث الثالث في قائمة احاديث مسلم.. لنرى الان الحديث الاول والثاني: راوي
الحديث الاول اسمه:
سماك بن حرب الذهلي -- ضعيف متهالك، منتقدوه اكثر ممن وثقوه، قال عنه شعبة بن
الحجاج: "كان الناس ربما بالنسبة للحديث الثاني فإن في سنده: النضر بن محمد بن موسى الجرشي اليمامي -- من رجال البخاري ومسلم، قال عنه ابن حجر العسقلاني: ثقة له أفراد -- وهذا يعني انه مُخترق.. وفي سند الحديث ايضا: عكرمة بن عمار اليماني -- ادرجه ابن حجر في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين، ومن في هذه المرتبة ردّ بعض الائمة احاديثهم مطلقا.. قال عنه إسحاق البخاري: "ثقة وكان كثير الغلط، ينفرد بأحاديث"، من أين يأتى بهذه الاحاديث التي ينفرد بها؟ راجع المقال الاول لمعلومات عن التفرد وغريب الحديث.. وفي المقال الثاني فصل عن الزنادقة. وهكذا نجد ان الحديث لا يصح عقلا ولا نقلا. وبهذا القدر نصل الى نهاية المقال.
|