حقائق خفية في القرآن والتاريخ

Script:DoSizeHdr

Start of Body

تنقية السنة النبوية من الشوائب:
1. رضاع الكبير في صحيح البخاري

تأليف: عيسى عبدالرحمن السركال
الشارقة، الامارات العربية المتحدة
تاريخ النشر: 24 ابريل 2023   

Script:PrintURL

قائمة المقالات: تنقية السنة النبوية من الشوائب
المقال الحالي: رضاع الكبير في صحيح البخاري
المقال التالي: رضاع الكبير في صحيح مسلم

مُقدمــــــــــة

هذا المقال هو الاول من سلسلة مقالات القصد منها تنقية احاديث السنة النبوية من ما نُسب الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلّم) من احاديثٍ فيها مخالفات شرعية وعقائدية واساءات أخلاقية للنبي وزوجته عائشة، كأحاديث رضاع الكبير، والسحر واحاديث الخرافات، كقولهم ان النيل والفرات ينزلون من الجنة، وان الله يُشبه الانسان وطوله ستون ذراعا، الخ.

هذه الاحاديث كانت في الاصل اشاعات من الكلام المرسل، والمرسل ضعيف، ثم تطورت مع الزمن، وصنعوا لها اسانيد متصلة، فأصبحت احاديث معتمدة.

سنرى في هذا المقال ان احاديث رضاع الكبير في صحيح البخاري مشبوهة ولا يمكن لها ان تصح، وبمعايير اهل الحديث انفسهم.. أصل الاشاعة في رضاع الكبير موجودٌ حاليا في موطأ مالك في حديث مُرسل، وسوف نعتمد على ما رواه مالك لتسقيط أحاديث البخاري.

وسنناقش في مقال لاحق احاديث رضاع الكبير في صحيح مسلم لنرى ان هي الاخرى كلها ضعيفة ايضا لا يصح منها حديث واحد.

سنبدأ ببعض المقدمات قبل الدخول في صلب الموضوع، نأخذ منها فكرة لا بأس بها عن الحديث النبوي وبعض علومه.
 

الاسناد الصحيح ليس شرطا لصحة الحديث، وإنما شرطا لقبول الحديث وتقييمه من حيث الصحة والضعف، مع العلم ان الاسناد الصحيح مصطلح نسبي، ومن النادر جدا ان تجد اسنادا خالٍ من العلة اتفق على توثيق رجاله جميع نُقاد الحديث.

يقول ابن القيم: "وقد عُلم أن صحة الإسناد شرط من شروط صحة الحديث، وليست موجبة لصحته، فإن الحديث إنما يصح بمجموع أمور منها صحة سنده وانتفاء علته وعدم شذوذه ونكارته."
(ابن القيم | كتاب الفروسية المحمدية | ص. 245 - 246 | الشاملة)

يقول ابن الجوزي: "وقد يكون الاسناد كله ثقات ويكون الحديث موضوعا أو مقلوبا، أو قد جرى فيه تدليس"
(ابن الجوزي | الموضوعات | ج 1 | ص 99 - 100)


من المغالطات الرائجة ان الامة تلقت الصحيحين بالقبول واجمعت على صحتهما، وفي الحقيقة لا يوجد اجماع على ان كل ما في البخاري ومسلم صحيح.. الحديث في الاسفل مثلا رواه البخاري ومسلم، رفضه بعض علماء الدين لنكارته:

حدثنا عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما توفي عبد الله بن أُبيّ [ابن سلول]، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) ليصلي، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، فقال: يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):
إنما خيرني الله فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة}. وسأزيده على السبعين. (البخاري)، (مسلم)

هذا الحديث يصور النبي وكأنه شخص أبله لا يفهم المغزى والقصد من الكلام.. تقول الاية: "إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"، فيقول: سأزيده على السبعين!! وكأن القضية قضية عدد.

افترض ان تجادل شخص فيحلف.. ثم تقول: لو تحلف ستين مرة فلن اصدقك.. فيقول: سأحلف واحد وستين!! فما هو الانطباع الذي ستأخذه عن شخص كهذا؟

قال ابوحامد الغزالي في هذا الحديث: كذبٌ قطعا

وفي شروح الحديث تجدهم يستميتون في تأويله.. التأويل يجب ان يتفق مع سياق النص، وإلا فأعطني أي كلام وسأقوم بتأويله على غير معناه. آتني مثلا بنصٍ من كتب الهندوس يقول فيه (إلهي بقرة). سأقول انه لا يقصد ان البقرة إله، ولكن البقرة آية من آيات الله.. أي كلام وخلاص.. لا يوجد شيئ في الوجود إلا وتستطيع تأويله على غير معناه.. اذا لم يتفق التأويل مع ظاهر النص فهو مغالطة.

الحديث التالي من صحيح البخاري وصفه الذهبي بالحديث المنكر:

"حدثني محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) : إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب..."

وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن ذكر قول أحمد فيه له مناكير وقول أبي حاتم لا يحتج به، وأخرج بن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها. هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه. وقال [الذهبي] هذا حديث غريب جدا، لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد، فإن هذا المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد ولا خرجه من عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد.
(فتح الباري شرح صحيح البخاري)

الراوي الضعيف المشتبه به في اختراع الحديث هو (خالد بن مخلد القطواني)، أخرج له البخاري ومسلم.. قال عنه احمد بن حنبل: "له أحاديث مناكير".. وقال الذهبي لولا هيبة الصحيح (أي لولا انه في البخاري)، لعدوه من منكرات خالد بن مخلد.

استمات ابن حجر في الدفاع عن الحديث، وخرج اخيرا بهذا الاستنتاج: "ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا" (فتح الباري)

جمع ابن حجر كلمة من الشرق وكلمتين من الغرب وألف بينهم وافترض انهم اصل الحديث! وعلى هذا الاساس استطيع ان آتي بقصة من قصص ألف ليلة وليلة ثم ابحث عن مفردات تشبهها في الاحاديث ثم ادعي ان لها اصل في الحديث النبوي!!

يقول الذهبي اخيرا، "ولا أظنه في مسند أحمد".. هذه العبارة اشارة الى ما قاله أحمد بن حنبل عن مسنده:

أحمد بن حنبل: "إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلاّ ليس بحجّة." (أحمد بن حنبل)

في مسند أحمد من الاحاديث التي يمكن ولو بنسبة واحد بالميه صحيحة، وبعض علماء الحديث يتخذون من مسند أحمد مرجعا لتصحيح الحديث وتضعيفه.. ليس بالضرورة ان يكون الحديث بألفاظه وسنده في مُسند احمد حتى يصبح له مرجع في المسند، ولكن الاعتبار على المضمون، شي مثله يكفي. حديث البخاري هذا لا يوجد له اصل في المسند نهائيا، لا من قريب ولا من بعيد.

قال الذهبي: "هذا حديث غريب جدا، لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد" -- فما هو الحديث الغريب والحديث المنكر؟

اقتباس: "روينا عن أبي عبد الله بن منده [الحافظ الأصبهاني] أنه قال: الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يُجمَعُ حديثهم، إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يُسمى غريبا" (مقدمة ابن الصلاح | النوع 31).

فمثلا المحدث قتادة بن دعامة لديه اكثر من ألف تلميذ، ثم يأتي تلميذ واحد بحديث لا يرويه غيره، فهل يعقل انه لم يسمع هذا الحديث من قتادة سوى هذا التلميذ الواحد فقط؟ الاحتمال هو ان هذا التلميذ توهم فخلط بين حديث وحديث، أو ان الحديث دُس في كتابه، أو تم إيهامه انه حديثه، أو انه هو الذي اخترع الحديث.

مفهوم التفرد...
كقولهم: «هذا الحديث من أفراد فلان»، و«تفرد به فلان»، و«هذا حديث غريب»، و«لا نعرفه إلا من هذا الوجه»، و«ليس يرويه أحد إلا فلان»، و«لم يروه عن فلان إلا فلان»، و«لم يقع إلا من رواية فلان»، و«تفرد به فلان عن فلان، لا أعلم حدث به غيره»، و«تفرد به فلان من أصحاب فلان ولم يشاركه فيه غيره»، و«هذا الحديث من غرائب فلان» الخ.

حكم تفرد الراوي بالحديث...
كان المتقدمون من علماء الحديث يكرهون رواية الغرائب وما تفرد به الرواة، ويعدونه من شَرِّ الحديث، كما قال الإمام مالك رحمه الله: «شَرُّ العلم الغريبُ، وخيرُ العلم الظاهرُ الذي قد رواه الناس»، وقال سليمان الأعمش: «كانوا يكرهون غريبَ الحديث»، بل إن الإمام أحمد بن حنبل جعل مصطلح الغريب دليلا على الوهم، فقد نقل عنه محمد بن سهل بن عسكر أنه قال: «إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: «هذا الحديث غريب» أو «فائدة» فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو ليس له إسناد، وإن كان قد رواه شعبة وسفيان»."
(تفرد الثقة وأثره في صحة الحديث: تأصيل وتطبيق | الدكتور عبد الهادي الخمليشي | أستاذ أصول الفقه | دار الحديث الحسنية، الرباط)
راجع ايضا:
(شرح علل الترمذي لابن رجب - تحقيق نور الدين عتر | الحديث الغريب وأنواع الحديث، ص. 406)

قولهم ان الحديث "فائدة" لا يقصدون به ان الحديث بحد ذاته مُفيد، وانما افادنا بمعلومة ان راويه يأتي بغرائب.. يعني انتبه لهذا الراوي.

مصطلح (الحديث الغريب)، لا يساوي (غريب الحديث).. غريب الحديث يعني مفرتادته غريبة.

الحديث التالي مثال على الحديث المتفرد، وهو من صحيح البخاري:

95 حدثنا عبدة بن عبد الله الصفار ، حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا عبد الله بن المثنى ، قال : حدثنا ثمامة بن عبد الله:
عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وسلّم) أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ، حتى تفهم عنه ، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم ، سلّم عليهم ثلاثا. (البخاري)

تخيل ان تتكلم بكلمة فتعيدها ثلاثا، وان تسلم على قوم فتسلم عليهم ثلاثا، فما هو الانطباع الذي سيأخذه عنك القوم؟!

يقول ابن حجر ان المقصود بالسلام هو الاستئذان ثلاثا.. احتاروا في فهم النص، ففسروه على غير معناه الظاهر. ويقول ايضا: "ما ادّعاه الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار مما ينازع" (فتح الباري)، ابن حجر ينازع الكرماني في رأيه في ان الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار.. كلام الكرماني صحيح، الكلام في صيغة الحاضر. ها هي السنة التي يدعون الحفاظ عليها، فليلتزموا بها ويسلموا على الناس ثلاث مرات، ويعيدوا الكلمة ثلاث مرات، "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟"

حديث السلام ثلاث مرات اخرجه الترمذي ايضا، وقال عنه: "حسن صَحِيح غَرِيب، إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث عبد اللَّه بن الْمثنى" (عمدة القاري - شرح صحيح البخاري)

الحديث من رواية عبدالله بن المثنى، رجلٌ له غرائب.. قال عنه أبو الفتح الأزدي: "فيه ضعف، لم يكن من أهل الحديث، روى مناكير"، وقال أبو جعفر العقيلي: "لا يتابع على أكثر حديثه، وكان ضعيفا، منكر الحديث" (ترجمة عبدالله بن المثنى)

اخراج الترمذي للحديث لا يرفع من درجة الحديث الغريب، حتى وان أخرجه ألف مُحدّث. الحديث في الاصل اتى عن طريق شخص واحد، وان تفرعت الطرق بعد هذا الواحد فلن تزيد من عدد الواحد صاحب الحديث.

قول الترمذي ان الحديث حسن صحيح هو يقصد ان اسناده صحيح، وصحة الاسناد تعتمد على رجال الحديث، فإذا اعتمد مُخرج الاحاديث رجال وروى عنهم، فإنه يعتبر الحديث صحيح الاسناد، وليس بالضرورة ان متن الحديث صحيح.

الحديث المنكر هو الحديث الغريب المتفرد الذي يرويه الضعيف، ولكن هذا التعريف هو اصطلاح متأخر، وأما المتقدمين، كأحمد بن حنبل وابن معين، فقد كانوا لا يميزون بين المنكر والغريب، كله سواء، واحمد بن حنبل يُطلق اسم الحديث المنكر على كل حديث متفرد، وبغض النظر عمن يرويه.. اذا كان المضمون واحد، فما هو الفرق في ان يأتي به ضعيف أو ثقة؟

[النوع الرابع عشر: المنكر]
"وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث"
"قلت: وهذا ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد..."
(النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر | ج. 2 | ص. 574)

اسهب ابن حجر في اعادة تعريف الحديث المنكر، وله رأيه، والسبب على ما يبدو هو انه لو أخذنا كل حديث متفرد في البخاري ومسلم، واطلقنا عليه "منكر"، لوجدنا الصحيحين يعجون بالمناكير، وهذا شيئ لا يستسيغه ابن حجر وغيره من المتأخرين.. ومع كل ما قاله، فهو لن يغير من الحقيقة شيئ، وان احمد بن حنبل وغيره من المتقدمين كانوا يطلقون لفظ المنكر على كل حديث متفرد، حتى وإن كان قد رواه شعبة أو سفيان الثوري.

الاحاديث المتفردة احاديث ضعيفة لا قيمة لها، ولا تقوم بها حجة، وبغض النظر عن من يرويها، سواءا كانوا ضعفاء أو ثقات، وبغض النظر عن من يخرجها ايضا، سواءا اخرجها البخاري أو غيره.

السبب في رد الحديث المتفرد هو التالي: افترض ان شخصا من اصحاب المصلحة دس حديث في كتاب راوي من تلاميذ شعبة. واحد ثاني اعجبته فكرة الحديث فدس حديثا يُشبهه على راوي من تلاميذ قتادة بن دعامة. اصبح لدينا الان حديثين يحملون نفس الفكرة، ولكن من شيخين مختلفين، احدهما شعبة والثاني قتادة، فهل نقبلهما بسبب ان الحديث الاول يشهد للثاني والعكس؟ ولكن احتمال الدس وارد. اذا لم يرد الحديث بطريقين، على الاقل، من نفس الشيخ، فهو متفرد، ولا يجب ان يصح بأحاديث متفردة من شيوخ آخرين.

بالنسبة لعملية الدس في كتب المحدثين فقد كانت احدى الوسائل المفضلة في دس الاحاديث، ولها شاهد في صحيح البخاري.. الحديث التالي من البخاري، وهو عن البيع، يقول المحدث، وهو همام بن يحيى: "وجدت في كتابي: يختارُ ثلاثَ مرارٍ" -- ثلاث كلمات أضيفت على الحديث الاصلي. ربما اضافها شخص اراد ترجيح مذهبه الفقهي.. كتب الشارح:

"وَقَالَ ابْن التِّين: وَقَول همام ... إِلَى آخِره، غير مَحْفُوظ، والرواة على خِلَافه. وَإِذا خَالف الْوَاحِد الروَاة جَمِيعًا لم يقبل قَوْله، سِيمَا أَنه وجده فِي كِتَابه، وَرُبمَا أُدخل على الرجل فِي كُتبه إِذا لم يكن شَدِيد الضَّبْط."
(عمدة القاري شرح صحيح البخاري)

همام بن يحيى يروي الحديث عن قتادة. تفرد بزيادة في الحديث خالف بها جميع الرواة الذين رووا الحديث عن قتادة، الرجل انتبه للاضافة.. ولكن ليس كل الرواة ذاكرتهم قوية مثل همام، فتنطلي عليهم الاحاديث المزورة والزيادات الملفقة ثم يروونها.

رأينا في هذه المقدمة انه ليس كل ما في البخاري صحيح، ففيه من الاحاديث الشاذة سندا أو متنا أو كلاهما، كما فيه ايضا من الافرادات والغرائب والمناكير.. ما نجده في البخاري يوجد ايضا في مسلم.

 

رضاع الكبير في صحيح البخاري

روى البخاري حديثين في رضاع الكبير.. الحديثين مشتقان من حديث واحد رواه مالك. لنرى اولا الحديث في مالك، لأنه الاصل، ثم بعد ذلك سنرى كيف تطور حديث مالك من حديث مُرسل منقطع في موضعين، الى حديث متصل خالٍ من العلة وصحيح اعتمده البخاري.

627 - أخْبَرَنا مالِكٌ، أخْبَرَنا ابْنُ شِهابٍ، وسُئِلَ عَنْ رَضاعَةِ الكَبِيرِ؟ فَقالَ: أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أنَّ أبا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ كانَ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَهِدَ بَدْرًا، وكانَ تَبَنّى سالِمًا الَّذِي يُقالُ لَهُ: مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ، كَما كانَ تَبَنّى رَسُولُ اللَّهِ زَيْدَ بْنَ حارِثَةَ، فَأنْكَحَ أبُو حُذَيْفَةَ سالِمًا وهُوَ يَرى أنَّهُ ابْنُهُ أنْكَحَهُ ابْنَةَ أخِيهِ فاطِمَةَ بِنْتَ الوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وهِيَ مِنَ المُهاجِراتِ الأُوَلِ وهِيَ يَوْمَئِذٍ مِن أفْضَلِ أيامى قُرَيْشٍ، فَلَمّا أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فِي زَيْدٍ ما أنْزَلَ: ﴿ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ رُدَّ كُلُّ أحَدٍ تُبُنِّيَ إلى أبِيهِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ يُعْلَمُ أبُوهُ رُدَّ إلى مَوالِيهِ،
فَجاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ امْرَأةُ أبِي حُذَيْفَةَ وهِيَ مِن بَنِي عامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ((فِيما بَلَغَنا))، فَقالَتْ: كُنّا نُرى سالِمًا ولَدًا، وكانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وأنا فُضْلٌ ولَيْسَ لَنا إلا بَيْتٌ واحِدٌ، فَما تَرى فِي شَأْنِهِ؟ فَقالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ((فِيما بَلَغَنا)): «أرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعاتٍ، فَيَحْرُمَ بِلَبَنِكَ، أوْ بِلَبَنِها»، وكانَتْ تَراهُ ابْنًا مِنَ الرَّضاعَةِ، فَأخَذَتْ بِذَلِكَ عائِشَةُ فِيمَن تُحِبُّ أنْ يَدْخُلَ عَلَيْها مِنَ الرِّجالِ، فَكانَتْ تَأْمُرُ أُمَّ كُلْثُومٍ، وبَناتِ أخِيها يُرْضِعْنَ مَن أحْبَبْنَ أنْ يَدْخُلَ عَلَيْها، وأبى سائِرُ أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ أنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الرَّضاعَةِ أحَدٌ مِنَ النّاسِ، وقُلْنَ لِعائِشَةَ: واللَّهِ ما نَرى الَّذِي أمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلا رُخْصَةً لَها فِي رَضاعَةِ سالِمٍ وحْدَهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لا يَدْخُلُ عَلَيْنا بِهَذِهِ الرَّضاعَةِ أحَدٌ، فَعَلى هَذا كانَ رَأْيُ أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ فِي رَضاعَةِ الكَبِيرِ.
(مُوطأ مالك | باب الرضاع | رواية محمد بن الحسن الشيباني | المكتبة الشاملة)

عروة بن الزبير هو ابن اسماء بنت ابو بكر الصديق، وخالته عائشة أم المؤمنين، وهي التي ربته وهو صغير..

عروة بن الزبير يُعتبر من التابعين، لم يعاصر الرسول، وهو في هذا الحديث لا يسند قوله الى عائشة، ولا لأيٍ من الصحابة، وعلى هذا الاساس فالحديث منقطع، مرسل، والمرسل ضعيف -- (تعريف الحديث المرسل).

الانقطاع الثاني هو الفقرة المظللة. في هذه الفقرة نجد العبارة (فيما بلغنا). كل ما في هذا الفقرة المظللة ليس من كلام عروة، وإنما "بلاغ"، ارسله ابن شهاب الزُهْري الى مجهول لم يُصرح الزهري باسمه. وهذا ضعف ثاني فوق الضعف الاول.

نفس الحديث في الاعلى موجود ايضا في رواية الشافعي وغيره عن مالك.

اذا اردنا الان الحكم على هذه الرواية من منظور تاريخي، نجد انها اشاعة. لا عروة بن الزبير يسند كلامه الى شخص عاصر الحدث، ولا الزُهْري يسند بلاغه الى معاصرٍ للحدث، وعلى هذا الاساس فمصادرهم مجهولة، وبالمنطق لا يمكن الاعتماد على مجهول في كتابة تاريخ. وبالمنطق ايضا لا يمكن للمتأخر (البخاري أو غيره) ان يكون اصح من المتقدم (أي من مالك)، وبالذات اذا كانت الرواية شفهية، وليست وثيقة يعود تاريخها الى زمن الحدث.

بعد فترة من الزمن تطور حديث مالك، من حديث منقطع في موضعين، الى حديث متصل بعائشة، وحُذفت منه العبارة (فيما بلغنا)، وبهذين التغيرين الصغيرين أصبح الحديث صحيحا واخرجه  البخاري!

(1) 3809 -- حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب [الزهري]، أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي (صلى الله عليه وسلّم) : أن أبا حذيفة ، وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) ، تبنى سالما ، وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة ، وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تبنى رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه ، حتى أنزل الله تعالى : { ادعوهم لآبائهم } . فجاءت سهلة النبي (صلى الله عليه وسلّم) فذكر الحديث. (البخاري)
(2) 4816 -- حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان ممن شهد بدرا مع النبي (صلى الله عليه وسلّم) ، تبنى سالما ، وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تبنى النبي (صلى الله عليه وسلّم) زيدا ، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه ، حتى أنزل الله { ادعوهم لآبائهم } إلى قوله { ومواليكم } فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم له أب ، كان مولى وأخا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري - وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة - النبي (صلى الله عليه وسلّم) فقالت : يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا ، وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فذكر الحديث. (البخاري)

نلاحظ في هذين الحديثين ان اسم عائشة تم ادراجه في سند الحديث، وهذا يجعل كلام عروة حديثا متصلا صحيح!

الحديث ايضا اخرجه ابو داود من رواية يونس عن ابن شهاب الزُهري.

العبارة الاخيرة (فذكر الحديث) هي هكذا في البخاري. البخاري لم يكمل الحديث الى آخره. كتب الشارح: "وتمامه كما عند أبي داود والبرقاني: فكيف ترى؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أرضعيه، فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة»" (ارشاد الساري - شهاب الدين القسطلاني).

يقول القسطلاني: "وتمامه كما عند أبي داود والبرقاني"، ولِمَ لا يكون تمامه عند مالك؟ السبب هو أن حديث مالك مُرسل، والمُرسل ضعيف، ولابد ان يكون متصلا حتى يصح!! يا حبيبي انا ابحث عن الحقيقة، وليس عن متصل أو منفصل.

وان اختلف الحديث بين الارسال والاتصال، فلمن الحُكم؟ قال بعضهم الحكم لمن أرسل، وقال آخرون: الحكم لمن أوصل.

بناءا على الاقتباس المُصور في الاعلى، وعلى رأي النسائي وغيره، فالحكم لمن أرسل، والارسال جرح، والجرح مُقدم على التعديل، وعليه فإن احاديث البخاري يمكن ردها بحديث مالك.

البخاري ومسلم يعتمدان قاعدة تقديم المتصل على المرسل.

يعترض المؤلف صاحب كتاب محاسن الاصطلاح على مقدمة ابن الصلاح فيقول ان الارسال نقص في الحفظ، وفي كلامه هذا هو يفسر قول النسائي ان المرسل معه زيادة علم.. العلم ليس بالضرورة حفظ، وانما يتحقق احيانا بالاتقان والمعرفة.. يقول النسائي ان الغالب على الالسنة الوصل. أحاديث عروة بن الزبير اغلبها يرويها عن عائشة، فإذا اتى من يقول إلا هذا الحديث ليس عن عائشة، فهذا يعني ان الراوي منتبه لما يسمع، ومتأكد ان هذا الحديث ليس موصولا، وهذا هو العلم الذي قصده النسائي.. العلم هو الاستثناء، وليس الكلام الغالب على كل لسان.

وهكذا نجد ان احاديث البخاري لا تصح بموجب القاعدة التي اعتمدها النسائي، لأن جميعها مصدرها واحد، ابن شهاب الزهري، والاصل فيها الارسال، وحدث الاتصال في وقت مُتأخر، ولكن دعنا نبحث الموضوع اكثر لنرى كيف حدث الاتصال.

 

ابن شهاب الزُهري يعتمد الاحاديث مناولة، ومن غير مراجعة ولا قراءه! 

عندما كان ابن شهاب الزُهْري في المدينة المنورة كان يُحدّث بنفسه، ولكن بعد ان انتقل الى الشام للعمل كمستشار في الديوان الاموي، توقف عن التحديث، وبدأ يُجيز احاديثه مناولة.

كلمة مناولة مأخوذة من (ناول) أي (أعطى)، ناوله ورقة = أعطاه ورقة بيده.

المناولة في الحديث انوع، احدها ان يأتي الراوي بأحاديث حصل عليها من مصدر غير المحدث الذي تُنسب الاحاديث إليه، كأن يجدها في كتاب، أو يسمعها من راوٍ آخر، ثم يطلب مقابلة المحدث المصدر، ويقرأ الاحاديث عليه، فإن أقره عليها، يعطيه الاذن (الاجازة) بالتحديث بها. الطريقة الثانية هي ان يقوم المحدث بنفسه، أو يطلب من احد تلاميذه، ان يكتب عددا من أحاديثه، ثم يعطيها الراوي.. بعض المحدثين يُقررون صيغة التحديث: "حدثنا" ، "أخبرنا" أو "عن"، فمثلا يقول المجيز للراوي: عندما تُحدث عني بهذه الاحاديث التي اجزتها لك، قل "عن". محدثين آخرون يتركون صيغة التحديث من غير تحديد ليختار الراوي منها ما يشاء.

المناولة المقرونة بالإجازة... ومنها‏:‏ أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب، أو جزء من حديثه، فيعرضه عليه، فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ، ثم يعيده إليه ويقول له: ‏(‏وقفت على ما فيه، وهو حديثي عن فلان، أو‏:‏ روايتي عن شيوخي فيه، فاروه عني، أو‏:‏ أجزت لك روايته عني‏)‏‏.‏‏
(مقدمة ابن الصلاح)

كان الزهري يُجيز الرواية عنه بدون الاطلاع على الاحاديث المنسوبة اليه:

(1) 1027- أخبرنا أبو سعيد الصيرفي، قال: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري، يقول: سمعت يحيى بن معين، يقول: حدثنا أبو ضمرة، عن عبيد الله بن عمر [بن حفص] قال:
كنت أرى الزُهْري يُؤتىَ بالكتاب، ما قرأه ولا قُرئ عليه، فيقال له: نروي هذا عنك؟ فيقول: نعم.
(2) 1030 - أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، ومحمد بن الحسين بن الفضل، قالا: أخبرنا دعلج بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار، قال: حدثنا محمد بن عباد، عن ابن عيينة، قال:
ابن جريج جاء إلى الزهري بأحاديث فقال أريد أن أعرضها عليك، فقال كيف أصنع بشغلي؟ قال فأرويها عنك؟ قال: نعم، واللفظ لابن رزق.
[الزهري غرقان في الشغل، ومش فاضي لمراجعة الاحاديث المنسوبة اليه!]
كتاب: الكفاية في معرفة أصول علم الرواية للخطيب البغدادي
باب ذكر بعض أخبار من كان يقول بالإجازة ويستعملها (ص. 191)

لاحظ في الرواية الثانية ان ابن جُريج اراد عرض الاحاديث التي اتى بها على الزهري، فرفض الزهري طلبه، ومن غير ادنى تحفظ قال اروها عني.

الروايات في الاقتباس من حيث الاسناد صحيحة، كل رواتها ثقات، ولكنها روايات آحاد، الخطأ فيها وارد.. دعنا نتأكد أكثر حتى لا نظلم الرجل.

الرواية الاولى لم يذكر فيها الراوي اسم الشخص الذي اتى بالكتاب الى الزهري، لذا فان التحقيق فيها مُتعذر.

الرواية الثانية يرويها سفيان ابن عيينة، ذكر فيها اسم ابن جريج، وكان هو صديق ابن جُريج.. لنرى الان شيئا عن ابن جريج، وما يقال عنه، وماذا يقول هو ايضا:

"[ ص: 331 ] قلت (أي الذهبي): وكان ابن جريج يروي الرواية بالإجازة وبالمناولة ويتوسع في ذلك، ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري، لأنه حمل عنه مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف. ولا سيما في ذلك العصر، لم يكن حدث في الخط بعد شكل ولا نُقط."

"[ ص: 330 ] روى عثمان بن سعيد، عن ابن معين، قال: ابن جريج ليس بشيء في الزهري."

"وقال ابن جريج: لم أسمع من الزهري، إنما أعطاني جزءا كتبته، وأجازه لي."

(سير أعلام النبلاء | الطبقة الخامسة | ابن جريج)

في السطر الاخير في الاقتباس اعلاه يقول ابن جريج انه لم يسمع من الزهري، "إنما أعطاني جزءا كتبته"، أي ان ابن جريج هو الذي كتب الاحاديث. هذا الكلام يتفق مع رواية سفيان ابن عيينة في اقتباس سابق، حيث يقول: "ابن جُريج جاء إلى الزهري بأحاديث... الخ" -- رواية ابن عيينة صحيحة الاسناد، وتأكدت صحتها الان باعتراف ابن جُريج بنفسه.

الله أعلم بمصدر الاحاديث التي اتى بها ابن جُريج الى الزهري.

وقال يحيى ابن معين: "ابن جريج ليس بشيء في الزهري."

ابن جُريج كثرت أخطاءه في روايته عن الزهري، فاكتشفوها بسهولة، ولكن اذا كان الخطأ صغير، ستحتاج الى عدسة مكبرة لتراه.. وإن كان الخطأ الصغير خطيرا، كرفع المرسل مثلا، فهذه كارثة.

احد رواة الحديث عن الزهري يُسمى "عُقيل بن خالد الأيلي"، وهو راوي الحديث الاول في رضاع الكبير.. قال عنه أبو جعفر العقيلي: "صدوق، تفرد عن الزهري بأحاديث".

من أين أتى عقيل بهذه الاحاديث التي تفرد بها عن الزهري؟ التفسير المنطقي هو انه اتى بها من مجهول، أو من كتاب يباع في السوق، ثم استأذن الزهري في روايتها عنه، والزهري لم يمانع، ومن غير قراءة ومراجعة، أعطاه الاجازة.. الرجل مشغول بعمله في الديوان، كيف يصنع بشغله؟

افترض مثلا ان عقيل لم يتفرد بأحاديث، وانما اتى بأحاديث معروفة عن الزهري، ولكن في بعض الفاظها اختلاف، أو فيها معلومات جديدة يمكن اختصارها بكلمات معدودة، فهل كانوا سينكرونها عليه؟ ها هي احاديثهم فيها الزيادة والنقصان، فنجدهم يقولون عن حديث ما انه رُويَ بطريق آخر فيه زيادة كذا وكذا، ويُقرونها، الزيادة من الثقة مقبولة، على رأي بعضهم.
 

شعيب بن أبي حمزة -- راوٍ آخر من رجال البخاري عن الزهري، وهو راوي الحديث الثاني في رضاع الكبير.. المحدث الذي روى احاديث شعيب للبخاري اسمه أبو اليمان الحكم بن نافع. هو لم يسمع الحديث من شعيب. بعد موت شعيب، اتى ابو اليمان واخذ كتب شعيب وحدّث منها. أخطأ في حديث نسبه للزهري برواية شعيب، راجعوه فيه فأصر انه حديث الزهري، قال الذهبي: "قلت: تعين أن الحديث وَهَمَ فيه أبو اليمان، وصمم على الوهم، لأن الكبار حكموا بأن الحديث ما هو عند الزهري، والله أعلم."
(سير أعلام النبلاء | الطبقة الحادية عشرة | أبو اليمان)

بعد ان رأينا ان الزهري كان يعتمد المناولات بدون قراءة ولا مراجعة، فالظاهر ان شعيب حصل على الحديث من طرف ثالث، كواحد من عدة احاديث في صحيفة، الزهري طالع الصحيفة على السريع واعتمدها. ما يدل على ان أبو اليمان لم يتوهم، هو انه تراجع عن حديث آخر نسبه الى الزهري بالغلط، وقال: "الحديث حديث الزهري، والذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها."
(سير أعلام النبلاء | الطبقة الحادية عشرة | أبو اليمان)

التالي اقتباس مُصور من تاريخ ابن عساكر:

ملخص الرواية هو ان عبد المؤمن سأل أبو علي البغدادي عن سماع أبو اليمان من شعيب، وسماع شعيب من الزهري، فقال أبو علي: لا أبو اليمان سمع من شعيب، ولا شعيب سمع من الزهري، ولكنه كان كتابا.. قال عبد المؤمن: هل الحديث (الكلام الذي تقوله) صحيح، فقال نعم.

ابن عساكر استغرب من هذا الكلام، كيف يصح ذلك ولديه معلومات تدل على ان شعيب سمع من الزهري.

كان شعيب يعمل كاتب في الديوان الاموي.. الزهري يعمل معه في نفس المكان.. ويُروىَ ان الخليفة الاموي هشام بن عبدالملك طلب من الزهري احاديث مكتوبة.. الزهري استعان بشعيب لكتابتها.. وعلى هذا الاساس هو سمع بعض الاحاديث، ولكن هذا لا يسمى تحديث.. ما كتبه شعيب سيذهب الى الخليفة الاموي، ولن يأخذه شعيب الى بيته.

جُزء من احاديث الزهري سمعها شعيب بحكم عمله كاتب في الديوان، وجزءا آخر من الاحاديث دونها في كتاب من مصادر مختلفة، ثم قدمها للزهري لاعتمادها. وكان من بين ما جمعه، على ما يبدو، الحديث الذي انكروه على ابو اليمان.

فالقضية ليست ان يكون قد سمع الحديث كله، أو صفر.. شيئ من هذا وشيئ من ذاك. وهل ابو علي لم يكن يعلم انه كان يعمل معه في الديوان؟ ابو علي صالح البغدادي كان من كبار المحدثين، وكان يُلقب بمحدّث المشرق، ولكن التحديث الرسمي شي، والكلام الذي يقال في المجالس والاسواق واماكن العمل وما شابه ذلك، من احاديث، وحكم، ومواعظ، هذا شي ثاني.. وهل مثلا يمكن ان نقارن طالب يتلقى الدرس في الفصل، بطالب آخر سمع المدرس وهو يتحدث مع زملائه في الممر؟ وقال ابن جريج في اقتباس سابق: "لم أسمع من الزهري ، إنما أعطاني جزءا كتبته ، وأجازه لي."، ابن جريج يعرف الزهري معرفة شخصية، ودارت بينهم مناقشات وحوارات، ولكن لم يجلس معه في جلسة تحديث ويكتب حديثه، لذا يقول لم أسمع من الزهري. الكلام العام شيئ، والتحديث شيئ ثاني.

محدثٌ آخر عن الزهري اسمه (الليث بن سعد الفهمي)، قال عنه عمرو بن علي الفلاس: "صدوق، وسماعه من الزهري قراءة"، يعني كتاب، والله اعلم بمصدره.. الزهري اعتمده، تصفحه على السريع واعطاه الاجازه، وهذا على افتراض انه فتح الكتاب اصلا.

قال الذهبي: "ومن غرائب حديث الليث عن الزهري عن أنس، حديث: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، صححه أبو عيسى [الترمذي] وغربه. [ص: 144]"
(سير أعلام النبلاء | الطبقة السابعة | الليث بن سعد)

الحديث "من كذب علي" حديث صحيح متواتر، رواه الترمذي وقال عنه "صحيح غريب"، وهذا يعني ان "اسناده" صحيح، رواته ثقات، ولكنه ليس من حديث الزهري، لم يروه عن الزهري سوى الليث فقط، لذا فهو غريب.

الظاهر ان الذي كتب كتاب الزهري الذي حصل عليه الليث، اضاف فيه هذا الحديث بالخطأ، أو ان الليث سمع أناس ينسبون الحديث للزهري فسجله في كتابه، واخيرا الزهري اعتمد الكتاب بما فيه بدون مراجعة.

راوٍ آخر روى احاديث عن الزهري يُسمى يونس بن يزيد.. ذكروا في ترجمته القصة التالية:

وقال أبو داود: سمعت أحمد ذكر له حديث محمد بن بكر البرساني، عن يونس، عن الزهري، عن أنس بن مالك: أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة (1).
فقال: هذا - يعني: الوهم من يونس، لعله حدّثه حفظًا.
(ترجمة يونس بن يزيد الأيلي)

حدّث بحديث نسبه للزهري بالغلط.. فافترضوا انه وهم فيه، احتمال وارد، والاحتمال الثاني هو ان الزهري اعتمد له صحيفة احاديث بدون ان يقرأها.

وقال أبو الحسن الميموني: سئل أحمد: من أثبت في الزهري؟
قال: معمر.
فقيل له يونس؟
قال: روى أحاديث منكرة.
"تهذيب الكمال" 32/ 555، "سير أعلام النبلاء" 6/ 299، "بحر الدم" (1201).
(ترجمة يونس بن يزيد الأيلي)

يظنون ان الخطأ من يونس.. لا يبدو انهم يعلمون بطريقة الزهري في اجازة الحديث، ولا يجب الاستغراب من ذلك، فلم يكن في الماضي وسائل اعلام وسرعة انتقال المعلومة، لذا تجد ان بعض نقاد الحديث يُضعفون مُحدّث، بينما يوثقه آخرون، والسبب هو ان الجارح تبينت له علة لم يعلم بها آخر.

استعرضنا امثلة على احاديث نُسبت الى الزُهري بالغلط.. حديث يتفرد به واحد دون سواه يُعرف بسهولة، ولكن اضافات صغيرة وتغييرات طفيفة اكتشافها صعب بالطريقة التي يعتمدها المحدثون، وهي طريقة صحة الاسناد.

في الوقت الذي كان فيه الزهري في الشام كان الوضاعون في الحديث لا يُحصون، وكان يوجد في الشام شخص يُسمى محمد بن سعيد المصلوب.. كان هذا الرجل يضع احاديث، والمدلسون يروجون لها. كتب عنه ابن الجوزي في الموضوعات انه كان يضع الحديث ويُفسد احاديث الناس، منها حديث: «أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، إلا أن يشاء الله»، أضاف "إلا أن يشاء الله" على حديث معروف. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: «ابن سوادة قلب أهل الشام اسمه على مائة إسم وكذا وكذا اسم» يُغير المدلسون اسمه حتى لا يُعرف، وهذا يُسمى تدليس الشيوخ، فمثلا بدلا من ان يقول المدلس حدثنا محمد بن سعيد، يقول حدثنا محمد الشامي، فيظن الناس انه شخصا آخر، فيأخذون الحديث. (ابن الجوزي | الموضوعات | ج 1 | ص. 279)

من كثر ما وضع المدلسون له اسماء، اخطأ الكثير من رواة الحديث في اسمه، منهم البخاري، فظن انه مجموعة من الرواة:

"قلت وقد اخرج البخاري اسم هذا الرجل في تاريخه في مواضع وظنه جماعة، فقال «محمد بن سعيد بن حسان بن قيس روى عن أوس» وقال في موضع «محمد بن سعيد عن عبد الله بن ضمرة» وقال في موضع «محمد بن أبي سهل روى عنه أبو بكر بن عياش» وكل هذه الروايات عن «محمد بن سعيد المصلوب» فغلط البخاري حين ظنهم جماعة."
(ابن الجوزي | الضعفاء والمتروكين | ج 3 | ص. 65 - 66)

في ظل هذا الكم الهائل من التدليس والوضع في الحديث، تجد الزهري متساهل لأقصى الحدود في الاجازة والمناولة، ولا عجب ان تفرد الذين أخذوا عنه الحديث بغرائب، ونسبوا له احاديث ليست بأحاديثه.. وليس من المستبعد ان يكون محمد بن سعيد المصلوب هو شخصيا قام بدور محوري في التلاعب بأحاديث الزهري.

بالاضافة الى اهماله في المناولة والاجازة، فقد اشتهر الزهري ايضا بالمراسيل والبلاغات المشبوهة:

قال يحيى بن سعيد القطان: "مرسل الزهري شرٌ من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكل ما قدر أن يُسمي سمى، وإنما يترك من لا يحب أن يسميه".
وقال الذهبي: "مراسيل الزهري كالمعضل، لأنه قد سقط منه اثنان ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه، ولَمَا عجز عن وصله".
ذكر الذهبي قول الشافعي: "يقول نُحابي، ولو حابينا لحابينا الزهري، و إرسال الزهري ليس بشيء".
وقال علي بن المديني: "مرسلات الزهري رديئة".
(ابن شهاب الزهري .. الفقيه المؤرخ)

البلاغ كلام مرسل مصدره مجهول، وكما ترى في الاقتباس اعلاه: مرسل الزهري شرٌ من مرسل غيره.. السبب هو ان الزهري عارف بالحديث ورواته، ولو ان مصدره ثقة، لذكره، ولكن يبدو انه لا يستسيغ ذكر اشخاص مطعون في نزاهتهم حتى لا يقال انه يستند في حديثه الى ضعفاء. وعلى هذا نرى ان البلاغ الذي اضافة الزهري على كلام عروة، في الحديث الاصلي الذي رواه مالك، بداية من قوله "فجاءت سهلة بنت سهيل"، ان هذا الكلام ليس فقط ان مصدره مجهول، وانما ايضا مجهول وضعيف.
 

أخرج مسلم في صحيحه ستة احاديث في رضاع الكبير، سنرد منها الان حديث واحد لأنه منسوب الى الزهري، والبقية في مقال آخر.

الحديث من رواية عقيل بن خالد الايلي عن ابن شهاب الزهري.. عقيل بن خالد قد سبق الكلام عنه، تفرد عن الزهري بأحاديث، وهو راوي الحديث الاول في صحيح البخاري.

حديث مسلم هذا غريب الاطوار.. اتى بجزء من "بلاغ" الزهري، وبدون مقدمات:

2733 حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي ، عن جدي ، حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، أنه قال : أخبرني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة ، أن أمه زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أمها أم سلمة ، زوج النبي (صلى الله عليه وسلّم) ، كانت تقول:
أبى سائر أزواج النبي (صلى الله عليه وسلّم) أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة ، وقلن لعائشة : والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة، ولا رائينا. (صحيح مسلم)

هذا الحديث المفروض انه غريب، أتى بطريقة تختلف بشكل كبير عن حديث عقيل الذي رواه البخاري، ويحتوي على اسماء جديدة لا توجد في روايات الحديث الاخرى المروية عن الزهري.. أبو عبيدة بن زمعة، وزينب بنت أم سلمة، وأمها أم سلمة، هذه شخصيات جديدة دخلت في الرواية.

لنقارن الان الجزء الاخير من حديث مالك، بحديث مسلم هذا:

مسلم مالك
 أبى سائر أزواج النبي (صلى الله عليه وسلّم) أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة ، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ، ولا رائينا. وأبى سائر أزواج النبي (صلى الله عليه وسلّم) أن يدخل عليهم بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن لعائشة: والله ما نرى الذي أمر به رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) سهلة بنت سهيل إلا رخصة لها في رضاعة سالم وحده من رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد.

كما ترى في الاقتباس اعلاه، المفردات في الحديثين نفس الشي تقريبا.

الكلام في هذا الحديث المفروض انه من كلام عروة بحسب الرواية الاخرى، بعد ان حذفوا من حديث مالك عبارة البلاغ، وأوصلوا كلام عروة بعائشة، فكيف أصبح الان منسوبا الى أم سلمة؟ أي كلام وخلاص، نسخ ولصق.. أتى مؤلف هذا الحديث بجزء من حديث آخر، ووضع له سندا جديدا، فأصبح حديثا مستقل!! والزهري طبعا يعطيهم التصاريح بالرواية عنه دون أدنى تحفظ.

 

السؤال الان: من هو المستفيد من وضع هذه الاحاديث والترويج لها؟

نجد في حديث مالك ان ابن شهاب الزهري كان يجيب على سؤال: "وسُئِلَ عَنْ رَضاعَةِ الكَبِيرِ؟" وهل يُعقل ان يَسأل المرء عن موضوع لا يعني له شيئ؟

بالاضافة الى السؤال، كانت توجد ايضا قصة رائجة عن سالم مولى ابو حذيفة، وعن عائشة انها كانت تأمر اخواتها برضاعة الرجال الغرباء حتى يدخلوا عليها، وهي القصة التي نجدها في البلاغ الذي ألحقه الزهري بكلام عروة.

وفي موطأ مالك ايضا عن ابن عمر انه كان يقول: "لا رضاعة إلا لمن أرضع في الصغر، ولا رضاعة لكبير" (مالك، رواية ابي مصعب الزهري)

يبدو ان رضاع الكبير شاغل بالهم، الكثير يسأل عنه؟!

التفسير هو ان المسلمين بعد الفتوحات الاسلامية كانوا يأتون بالاطفال من أسيا الوسطى كعبيد وموالي لمساعدتهم في البيوت، وبعد ان يكبروا يصبحون مشكلة، فقام أحد المنافقين الزنادقة في المدينة واخترع قصة رضاع الكبير ليوجد مبررا شرعيا يسمح لهم بالخدمة في البيوت بعد ان يصلوا الى سن البلوغ.

لا يوجد لدينا تاريخ تفصيلي عن الوضع الاجتماعي في ذلك الزمن، ولكن توجد شواهد على مسألة الاتيان بالاطفال من اسيا الوسطى، فمثلا أيوب السختياني قالوا انه من سبي كابل. هذا الرجل من كبار رواة الحديث، بما يعني انه نشأ منذ صغره بين المسلمين، وإلا لما أتقن العربية واصبح من حفاظ الحديث. قس على هذا الالاف، ولكن لم يصبحوا من المشاهير. وليس من المستبعد انه ما لايقل عن 90 بالميه من بيوت المسلمين في ذلك الزمن كان عندهم على الاقل طفل واحد في البيت.. ربة المنزل تتعامل مع الطفل بكل حرية منذ صغره، ولكن بعد ان يكبر يجب حجبه.. وجد المنافقون في رضاع الكبير حلا لهذه المشكلة، فقاموا يؤلفون فيها الاحاديث. وعندما تكثر عدد الاحاديث في مسألة، يظن الناس ان الموضوع حقيقي، فيصدقونه.

بالرغم من المحاولات المستميتة التي قام بها الزنادقة وأصحاب المصلحة في الترويج لرضاع الكبير إلا انه يبدو ان الغالبية العظمى من المسلمين رفضوا الفكرة، فقام أحدهم واخترع حديث يزعم فيه ان آية قرآنية نزلت في رضاع الكبير، ولكن أكلتها ماعز:

1944 - ‏حدثنا ‏ ‏أبو سلمة يحيى بن خلف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الأعلى ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن أبي بكر ‏ ‏عن ‏ ‏عمرة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة، ‏ ‏و عن ‏ ‏عبد الرحمن بن القاسم‏ ‏عن‏ ‏أبيه‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت:
‏لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله ‏ ‏(صلى الله عليه وسلّم)‏ ‏وتشاغلنا بموته دخل ‏ ‏داجن [ماعز]‏ ‏فأكلها. (سنن ابن ماجه)

هذا الحديث من رواية محمد بن اسحاق (صاحب السيرة النبوية)، وهو ليس من رجال البخاري ومسلم، ولهذا السبب لم يجد له طريقا الى الصحيحين.

آية الرجم المزعومة ورد ذكرها أيضا في حديث آخر منسوبا الى الزهري، فأخرجه البخاري، لأن الزهري من رجال البخاري: "إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وسلّم) بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) ورجمنا بعده" (البخاري)

حديث البخاري هذا الذي ذكر فيه آية الرجم طويلا جدا، فاقتطعنا منه الفقرة الخاصة بآية الرجم.. جزء من هذا الحديث ربما كان صحيحا، ولكن بدون آية الرجم، وبسبب ان الزُهري كان مهملا ومتساهلا في اجازة الحديث، قام احد الوضاعين ودس الفقرة عن اية الرجم في الحديث في صحيفة مكتوبة اعتمدها الزهري فيما بعد، ومن غير مطالعة.

كل الاحاديث التي تزعم فقدان آيات من القران مرفوضة بدون نقاش، ومكانها المناسب سلة المهملات، "إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون".

وطبعا احاديث رضاع الكبير ايضا مرفوضة، بناءا على الاية القرانية: "وفصاله في عامين"، ولا يوجد استثناء: "وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم"، وما مناقشتنا لها الا لتبيان عيوبها فقط، وإلا فإن الرسول لن يخالف شريعته: "إن أتبع إلا ما يوحى إلي".

 

الخــــــــــاتمة

رأينا في هذا المقال ان حديث رضاع الكبير في البخاري ليس فقط انه ساقط بسبب ارساله في الرواية الاقدم، ولكن ايضا ان طرقه المتصلة مشبوهة. البخاري اجتهد فأخطأ، ولا غرابة في ذلك، وهذا الحديث ليس هو الوحيد الذي يُخطئ فيه، فقد روى في كتابه الاحاديث المنكرة والشاذة: السلام على الناس ثلاث مرات، واعادة الكلمة ثلاث مرات، وان الرسول أبله لا يفهم القرآن، تقول الاية: "إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"، فيقول سأزيده على السبعين! وطبعا هذا لا يُقلل من شأن صحيح البخاري، هو يبقى الافضل نسبيا من كتب الحديث الاخرى، ولكنه مجهود بشري أولا وأخيرا، والكمال لله وحده. وبهذه الفقرة نختتم المقال، وسنرى، ان شاء الله، في مقال قادم ان احاديث رضاع الكبير في صحيح مسلم هي الاخرى ساقطة لا يستقيم منها حديث واحد، وانها من وضع المنافقين الزنادقة اصحاب المصالح والاهواء.

قائمة المقالات: تنقية السنة النبوية من الشوائب
المقال الحالي: رضاع الكبير في صحيح البخاري
المقال التالي: رضاع الكبير في صحيح مسلم

End of Body

Script:DoPrintDlg