حقائق خفية في القرآن والتاريخ

Script:DoSizeHdr

Start of Body

خرافات ما أنزل الله بها من سلطان:
المهدي المنتظر خرافة مجوسية... المسيح الدجال خرافة مسيحية!

تأليف: عيسى عبدالرحمن السركال
الشارقة، الامارات العربية المتحدة
تاريخ النشر: 20 سبتمبر 2015   (آخر تحديث: 26 سبتمبر 2015)

Script:PrintURL


Script:DoSizeImage1


 المهدي المنتظر، السوبرمان الذي سيقلب الدنيا لصالح المسلمين!
يبدو أن المسلمين لم يستوعبوا قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم"، لذا لم يكن لديهم مانع من أخذ الخرافات من المجوس واليهود والنصارى. ولحسن الحظ انهم لم يختلطوا بالهندوس والبوذيين، وإلا لكانت عقائد المسلمين اليوم تطفح بمغامرات رام وبوذا -- وكله قال رسول الله!

أصل الفكرة: "والمجوس تدعي أن لهم منتظراً حيا باقيا مهديا من ولد بشتاسف بن بهراسف يقال له أبشاوثن، وأنه في حصن عظيم من خرسان والصين" (كتاب تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبدالجبار الهمذاني، الجزء الاول، ص 179).

بعد استبداد بنو أمية بالحكومة في الدولة الاسلامية، وجعلها وراثية بعد ان كانت شورى بينهم، وظهور علماء السلطان الناهين عن الخروج على الحاكم ما أقام الصلاة، وكأن صلاة الحاكم ستدخل الناس الجنة، لم يجد المسلمين من وسيلة للتنفيس عن الكبت والحرمان والخروج من الواقع الأليم إلا عن طريق الاحلام، فقاموا بإختراع سوبرمان يقلب الدنيا رأسا على عقب بين عشية وضحاها، وأطلقوا عليه لقب المهدي.

أول ما ظهرت اسطورة المهدي المنتظر في الديانة الاسلامية كانت عند الطائفة الشيعية، ولفقوا لها أحاديث، ثم أخذتها عنهم الطائفة السنية مع تعديل بعض ملامحها وتلفيق أحاديث جديدة لها أو تنقيح الاحاديث الشيعية بما يتناسب مع معتقداتهم. فمثلا يقول الشيعة ان المهدي موجود الان ولكنه مختبئ في سرداب، بينما يقول السنة انه لم يُولد بعد. ثم يجعل السنة مسألة السرداب من المسائل المضحكة، وينسون انفسهم انهم يؤمنون بنفس الشخصية. فمثلهم كمثل قوم ينتظرون قدوم ضيف، فمنهم من يقول بأنه سيصل بطائرة، ويقول آخرون بأنه سيصل بسفينة، ويجعلون من وسيلة النقل مسألة خلافية يتصارعون بسببها. والحقيقة المرة هي ان هذا الضيف لن يصل على الاطلاق.

الاسطورة: عند تقييم الاساطير، لا تؤخذ الفروق والشكليات بعين الاعتبار، وإنما الاسس التي تقوم عليها الاسطورة. أمّا تفسير الاختلاف، فهذا يعني انك أخذت الخرافة ثم زدت أو أنقصت فيها.

لقد تحدث القرآن عن أشياء كثيرة، كبيرة وصغيرة، ولم يستثني حتى أحقر المخلوقات كالذباب والباعوض، ولكنه لم يذكر كلمة واحدة عن المهدي! فهل يعقل ان يكون الذباب والباعوض أعظم شأنا من المهدي؟! ألم يقل الله في كتابه "ما فرطنا في الكتاب من شيئ". فلماذا لم يتحدث عن المهدي؟ أليس المهدي بشيئ؟


ابن خلدون

كَتبَ ابن خلدون فصلا في مقدمته عن ما يسمى بالمهدي المنتظر اثبت فيه بما لايدع مجالا للشك ان جميع الاحاديث الواردة في شأنه ضعيفة ولا يصح منها شيئ. البحث موجود في مقدمة ابن خلدون تحت هذا العنوان: "الفصل الثاني والخمسون في أمر الفاطمي وما يذهب اليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك"

من ناحية أخرى، مسألة الصحيح والضعيف هي مسألة تقديرية في المقام الاول. وإن صح حديث عند أحد المحدثين فربما لم يصح عند غيره. وقد أنشأ أهل الحديث علم أطلقوا عليه اسم الجرح والتعديل. والقاعدة الرئيسية عند المحدثين (ولكن للأسف لا يعملون بها) هي ان الجرح مُقدمٌ على التعديل. فالمُعدّل يحكم على الظاهر، بينما الجارح يحكم على أمر خَفي، ظهر له وخُفيَ على غيره. واستنادا الى هذه القاعدة، فلابد من رد جميع أحاديث المهدي، لأن جميعها لا تخلو من علة، طبقا لإبن خلدون.

ما لا يعلمه الكثير عن الفاطمي المنتظر هو انه اسطورة قديمة تعود الى ما قبل الاسلام وأصلها فارسي. لقد كان مجوس فارس يؤمنون بوجود المنتظر، وانه على قيد الحياة في حصن بين خراسان والصين. ذكر هذا القول القاضي عبدالجبار الهمداني في كتاب تثبيت دلائل النبوة.

Script:DoSizeImage2

انظر نسخة الصفحة من الكتاب في الصورة المقابلة، واقرأ ما كتبه محقق الكتاب، الدكتور عبدالكريم عثمان، في الملاحظة رقم (2) عن مصدر فكرة المهدي ومكان نشأتها.

طبقا لما قاله القاضي عبدالجبار، فإن منطقة المهدي بين خراسان والصين. الان قارن منطقة خرسان التي أشار إليها المؤلف مع الحديث التالي المنسوب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم):

"إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قِبل ((خراسان)) فأتوها ولو حبواً، فإن فيها خليفة الله المهدي" -- رواه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على شرط الشيخين.

من أين تأتي الرايات السود؟ من قبل خرسان! وأين يقع حصن مهدي المجوس؟ بين خرسان والصين! فهل هي من باب المصادفة ان يجتمع مهدي المسلمين ومهدي المجوس في نفس المنطقه؟

الشيعة تعتقد ان المنتظر لا يزال موجودا على قيد الحياة. وهذا هو الاعتقاد المجوسي القديم بالضبط. مع فارق بسيط، هو ان الشيعة، وفي وقت متأخر جدا، نقلوا مقر إقامته من خراسان الى سامراء في العراق. وهو ضريح الحسن العسكري الذي أثار تفجيره الفتنة الطائفية في العراق في سنة 2006.

المؤلف: يوسف بن يحي المقدسي "السني" الشافعي

بعض المسلمين السنة يغضبون إذا أضفت مصطلح "المنتظر" الى المهدي، ويقولون انهم لا ينتظرون أحد -- انتظرتموه أم لم تنتظروه، بما أنكم تعطونه نفس الصفات التي يعطيها له المجوس، يأتي في المستقبل ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت جورا وظلما، فقد سبقكم المجوس إليه، شئتم أم أبيتم.

ربما يستغرب البعض من تبني المسلمين لمعتقدات المجوس المشركين! ولا استغراب في ذلك، لأن الكثير ممن دخلوا الاسلام كانوا يعتقدون بهذه الافكار، وصعب عليهم التخلي عنها. ولكي تجد لها مكانا في الدين الاسلامي، فلا بد من حديث يدعمها. فقاموا بتأليف الاحاديث وروجوا لها. وفي ظل الاستبداد الاموي لم يجد المسلمين مخرجا من واقعهم السياسي المرير إلا بالاحلام من خلال هذه المعتقدات. والحديث النبوي لم يتم تدوينه الا في العصر العباسي. في الفترة ما قبل التدوين كان أي واحد يستطيع أن يؤلف حديث ويزعم انه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وإذا كان موضوع الحديث شيق، يقوم غيره بتأليف حديث آخر. وفي فترة قصيرة تجد مئات الاحاديث تتحدث عن نفس الموضوع.

والامم أيضا تتأثر بمعتقدات غيرها. وإذا لم يكن معتقد الامة مدون ومكتوب، فالاحتمال وارد ان تتداخل معتقدات الامم. لذا نجد في الاحاديث المنسوبة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) الكثير من الاشياء التي لم يشر إليها القرآن بتاتا. والسبب هو ان القرآن تمت كتابته في حياة رسول الله، بينما الحديث تم جمعه بعد ما لا يقل عن مائتين وخمسين سنة من موته، باستثناء موطأ مالك، فقد كتبه بعد مائة سنة هجرية. ومع انه مكتوب بعد مائة سنة، فإنه لا يحتوي الا على نحوٍ من ستمائة حديث وأثر مسند فقط، وليس فيه المهدي. ومع مرور الزمن تكثر الاحاديث وتزيد المعتقدات وتشوبها الاساطير والخرافات.

مثال على تبادل الخرافات والمعتقدات بين الأمم

حتى في عصرنا هذا، وهو عصر التكنلوجيا وانتشار العلم والمعرفة، تتداخل معتقدات الامم أحيانا. ومثالا على ذلك ما يسمى معركة هرمجدّون (Armageddon) التي روج لها صهاينة أمريكا. وانها ستكون معركة عظيمة بين الخير والشر، وموقعها الجغرافي فلسطين، ينزل بعدها المسيح الى الارض.

ما ان بدأ صهاينة أمريكا في اصدار الكتب عن معركة هرمجدون المزعومة، حتى بادر بعض الكتاب المسلمين بتبني الفكرة واصدار الكتب، وكأن المسلمين ناقصين خرافات وخزعبلات. وبما أن زمن تأليف الاحاديث قد انتهى، فانهم لا يستطيعون تأليف أحاديث جديدة عن هذه المعركة وينسبوها لرسول الله. فقاموا بالتفتيش في الاحاديث القديمة في محاولة منهم لإيجاد علاقة أو رابط بين حديث يتحدث عن معركة ما، وبين معركتهم المنتظرة في هرمجدون. والان تجد كتب ومواقع اسلامية على الانترنت تتحدث عن هرمجدون على انها فعلا معركة ورد ذكرها في الاحاديث النبوية.

السؤال الان، أين كنتم قبل ان تثار هذه الاسطورة في أمريكا؟ هل كنتم تنتظرون الصهاينة ليفسروا لكم حديث رسولكم؟ والحقيقة هي انه لا علاقة على الاطلاق بين الاحاديث المنسوبة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) والمعركة الخرافية المسماة هرمجدون. ومن يريد ان يبحث عن اشارات، فبإمكانه أن يأخذ حتى كتاب ألف ليلة وليلة وسيجد فيه اشارة هنا واشارة هناك تؤيد أوهامه وأحلامه. أنظر، يحدث هذا في عصر انتشار العلم والمعرفة، فما هو الغريب في ان يحدث مثله في عصور الظلام؟

لقد رأينا فيما سبق قول محقق كتاب دلائل النبوة ان فكرة المهدي أصلها فارسي، وأثرت في ديانات كثيرة. مؤلف الكتاب، القاضي عبدالجبار الهمداني، من القرون الوسطى، توفي سنة (415) هجرية، ويمكن الاستنتاج من كتابه ان المسلمين هم الذي نشروا هذه الخرافة في الديانات الاخرى.

Script:DoSizeImage3

الصورة المقابلة نسخة من الكتاب، والمؤلف هنا ينقل رأي اليهود والنصارى في المهدي، في الزمن الذي هو عاش فيه، ويقول ان اليهود يقولون ان مهديهم هو المسيح الذي ينتظر المسلمين عودته في آخر الزمان، بينما يقول النصارى ان مهديهم هو الفارقليط. هؤلاء اليهود والنصارى كانوا يعيشون في بلاد المسلمين، ويتبادلون معهم الحوار والنقاش في الامور الدينية. وإن لم يكن قد سمعوا من المسلمين بشيئ اسمه المهدي، لما أعطوا هذا اللقب للمسيح والفارقليط الموجودين في كتبهم. وفي هذا مثال على تبادل المعتقدات بين الأمم. وهنا نجد المسلمين قد ساهموا في نشر هذه الاسطورة التي هم أخذوها من المجوس.

"فإن فيها خليفة الله المهدي" -- إذا نظرنا الان الى كلمة "خليفة"، وقد وردت في العديد من أحاديث المهدي، وأحاديث غير المهدي، ونسأل: هل كان مصطلح "الخليفة" معروفا في العهد النبوي، وانه يعني الحاكم، أم انه مصطلح تم استحداثه في عهد متأخر؟

بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتعيين ابوبكر الصديق حاكما على المسلمين، كانوا يلقبون ابوبكر بخليفة "رسول" الله، وليس خليفة الله. وبعد وفاة ابوبكر وتولي عمر بن الخطاب الحكم، بدأوا يلقبونه خليفة، خليفة، رسول الله. ثم حصل اجتماع بين المسلمين وناقشوا فيه لقب الحاكم، فقال احدهم لعمر، نحن الان نسميك خليفة، خليفة، رسول الله، والذي سيأتي من بعدك سيسمونه خليفة، خليفة، خليفة، رسول الله، ثم ماذا بعد ذلك؟ فبدلا من هذا اللقب الطويل، ما رأيك أن نسميك أمير المؤمنين. فاستحسن ابن الخطاب اللقب الجديد. وكان عمر أول حاكم اسلامي يُلقب بأمير المؤمنين.

السؤال الان: لماذا لم يلقبوه بالخليفه، أو خليفة الله؟ ألم يكن الصحابة يعرفون أن الحاكم هو خليفة الله؟ ألم يسمع أحد منهم رسول الله وهو يُخبر عن خليفة الله المهدي؟ معقوله ولا صحابي واحد سمع بهذا اللقب؟

ويفسر البعض الاية القرآنية "إني جاعل في الارض خليفة" على ان المقصود بها الحاكم. وهذا الكلام غير صحيح بالمرة. وقد اختلف المفسرين فيها. وهي من الآيات الغامضة في القرآن. وليس لها أدنى علاقة بلقب الحاكم. وعلى الرابط التالي تفسير مقارن لمن يريد الاطلاع على ما قيل فيها:
http://www.alro7.net/ayaq.php?aya=30&sourid=2

من تفسير القرطبي، من الرابط اعلاه: "{خليفة} يكون بمعنى فاعل، أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض، أو من كان قبله من غير الملائكة على ما روي."

معنى الخليفة في قاموس اللغة هو شيئ يخلف شيئ ويقوم مقامه. وعندما لقبوا أبوبكر الصديق بخليفة رسول الله، لأنه قام مقام رسول الله في تسيير أمور الدولة. ولا يمكن لمخلوق ضعيف لا يملك من أمره شيئ أن يقوم في مقام الخالق. وفي القرآن: "وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي" (الاعراف 142)، هارون يخلف موسى، يقوم في مقامه في تسيير شئون بني اسرائيل.

ولو كان مصطلح الخليفة يعني خليفة الله، لكان رسول الله أحق من غيره بحمل هذا اللقب. "قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرّا إلّا ما شاء اللّه" (الاعراف 188)، فكيف يكون خليفة الله، يقوم في مقام الله، بينما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا؟

باختصار، لقب الخليفة، وخليفة الله، تم استحداثه في العصر الاموي. لا يوجد تاريخ يحدد السنة التي استحدث فيها، ولكن من قراءة التاريخ تستطيع ان تدرك انه مستحدث في العصر الاموي. وهذه مسألة بسيطة لمن يريد معرفتها، فمثلا لو قرأت قصة دولة، وتجد فيها مات الرئيس، ثم تولى الحكم الرئيس الفلاني، ثم رئيس، وبعده رئيس، وفجأه الملك. الان عرفت ان لقب الحاكم تغير من رئيس الى ملك. وعلى هذا القياس فإنه يبدو أن أول حاكم أموي لقبوه بالخليفة كان عبدالملك بن مروان. وهذا اللقب لم يكن لإستبدال لقب أمير المؤمنين، لأن أمير المؤمنين هو الأصل، وإنما مرادفا له، واستمر الى آخر دولة اسلامية، وهي الدولة العثمانية.

وعلى هذا الأساس نجد ان رسول الله لم يكن يعرف ان لقب الخليفة أو خليفة الله يعني الحاكم، كما ان صحابته أيضا لم يكونوا يعرفون، لذا احتاروا في لقب عمر ابن الخطاب بعد ان تولى الحكم. وإذا افترضنا جدلا ان رسول الله كان يعرف معنى المصطلح، والصحابي الذي استمع للحديث لا يعرف معناه، لكان سأله بالتأكيد. ولكن سياق الاحاديث لا يدل أبدا على انه مصطلح غريب. وهذا يعطينا فكرة ان الاحاديث التي وصفت المهدي بالخليفة، والاحاديث التي ورد فيها لفظ الخليفة بما يعنى الحاكم، انها نُسبت الى رسول الله في عهود متأخرة جدا، في عهود كان فيها الحاكم يُلقبُ بالخليفة على المستوى العام، والجميع يعرف معنى اللقب.


الشيخ محمد رشيد رضا

يقول الشيخ محمد رشيد رضا، مؤلف تفسير المنار، وأحد الرافضين لفكرة المهدي والمنكرين له جملة وتفصبلا: "فكل حديث مشكل أو مضطرب الرواية، أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق، أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية، أو للحسبات وأمثالها من القضايا اليقينية، فهو مظنة لما ذكرنا في هذه التنبيهات، وسبق لنا بيان أكثرها في الكلام على حديث طلوع الشمس من مغربها"
(تفسير المنار، الجزء 9، ص 507)
وقال عن المهدي المنتظر: "ومن استقصى جميع ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار، وعرف مواردها ومصادرها، يرى أنها كلها منقولة عن الشيعة."
(مجلة المنار، 2 مايو - 1904م، س 16 - المهدي المنتظر)
http://sh.rewayat2.com/gwame3/Web/6947/008.htm


الامام أحمد بن حنبل

تداول علماء الاسلام قولا عن الامام أحمد بن حنبل، إمام أهل الحديث، جاء فيه: "ثلاثة كتب ليس لها اصول وهي المغازي والتفسير والملاحم" (لسان الميزان، ابن حجر، الجزء الاول، ص 207) -- التفسير هو تفسير القران، الملاحم هي الفتن والحروب وعلامات الساعة، والمغازي هي غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم). وعلى قول الامام أحمد، فلابد من رفض كل الاحاديث المتعلقة بعلامات الساعة، بما فيها احاديث المهدي، والدجال، ويأجوج ومأجوج، الخ.

ويحاولون اقناع الناس بأن الامام احمد لم يقصد كل الاحاديث، وإنما أغلبها. ولكن أين الدليل على انه لم يقصدها كلها؟

ما نراه هو انه قصدها كلها دون استثناء، بما فيها الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم، لأن الاحاديث على عمومها أغلبها ضعيفة أصلا، ولا تزيد المصنفة منها تحت خانة الصحيح على أكثر من واحد بالمائة.

وقالوا بأن الحديث يفسر القرآن، ولولا الحديث لما فهموا القرآن، بينما نجد في قول الامام أحمد ان احاديث التفسير ليس لها اصل!

الاحاديث لا تفسر القرآن، وإنما هي إضافات واستثناءات لم يرد ذكرها في القرآن. ولو كان الحديث يفسر القرآن، لكانت أغلب الاحاديث مكية، لأن أكثر القرآن نزل في مكة، ولكن لا يوجد حديث واحد من بين عشرات الآلاف من الاحاديث يمكن تصنيفه على أنه حديث مكي!

وقولا مشابها لـ يحيى بن معين، إمام الجرح والتعديل، وصاحب أحمد بن حنبل: "قال أبو زكريّا [يحي بن معين] وهذه الأحاديث كلها التي يحدثون بها في الفتن وفي الخلفاء تكون كلها كذب وريح، لا يعلم هذا أحد إلا بوحي من السّماء"

"إلا بوحي من السّماء" -- ماذا قصد ابن معين بهذه العبارة؟

لا أحد يجاري ابن معين في علم الاسناد، فلماذا قال "إلا بوحي من السماء" ولم يقل "إلا بسند صحيح"؟

يبدو انه قصد ان كل الاسانيد والمتون التي فيها الفتن لا يمكن الوثوق فيها، بما يعني انه لا يمكن الحكم على صحة المتن بمجرد النظر الى السند، ويستحيل لأحد على وجه الارض أن يعرف مدى صحة الحديث المنسوب لرسول الله إلا بوحي من السماء، "لا يعلم هذا أحد إلا بوحي من السّماء". وطبعا لا يمكن القول ان البخاري أو غيره كانوا يتلقون وحيا من السماء.

قول ابن معين "وفي الخلفاء" يبدو انه قصد بها الاحاديث التي ورد فيها لفظ "الخليفة" -- وهو الحاكم اصطلاحا، كما سبق ورأينا. وتم استخدامه بهذا المعنى في العصر الاموي. ولم يكن معروفا في العهد النبوي.


المسيح الدجال في الرسوم المسيحية

لم يروي البخاري ولا مسلم أي حديث عن المهدي، ولكنهم أخرجوا أحاديث عن الدجال.

أخرج البخاري حديثا منسوبا الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول فيه: "ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور"، بما يعني انه اذا وقف اماك رجلان، واحترت بينهما، فانظر الى العين، فالرجل الاعور هو الدجال، والرجل الذي عينه تمام التمام هو ربك! وطبعا ليس في هذا القول تشبيه، استغفر الله، ولكن فقط الدجال اعور وربك ليس بأعور، وهذه هي العلامة الوحيدة المميزة التي يمكن ان تعرف ربك بها -- يبدو ان الذي اخترع هذا الحديث لم يكن يعلم ان في المستقبل نظارات شمسية ومساحيق تجميل، ولم تخطر على باله الايات القرآنية: ليس كمثله شيئ، ولا تدركه الابصار.

وعلى النقيض من حديث الدجال في الاعلى، فقد روى البخاري حديثا منسوبا الى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها انها قالت: "من حدّثك أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ربّه فقد كذب وهو يقول لا تدركه الأبصار" -- احترنا الان، فهل ربنا لا تدركه الابصار، أم انه تدركه الابصار ولا يمكن تمييزه من الدجال سوى بالعين العورا؟!

وزعموا ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال انه ما من نبي إلا أنذر قومه من المسيح الدجال (رواه البخاري). فتشنا في كتب اليهود ولم نجد له أثر، فمن هم هؤلاء الانبياء الذين أنذروا قومهم من الدجال؟ سيقولون كتب اليهود محرفة. ولكن ليس له في القرآن أثر كذلك، فهل القرآن محرف أيضا؟ آتونا بمصدر آخر غير أحاديثكم التي قال عنها أئمتكم كذب وريح؟

رسم مسيحي آخر يُصور الدجال



يسوع والدجال في مصارعة الذراع!



كلٌ يغني على ليلاه!



الدجال أعور وربكم [يسوع] ليس بأعور!

الحقيقة هي ان هذا الدجال الاسطوري ورد ذكره في الرسائل المنسوبة للتمليذ يوحنا، وفي النصوص التالية على وجه التحديد:

(1) "أيّها الأولاد هي السّاعة الأخيرة. وكما سمعتم أنّ ضدّ المسيح يأتي، قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون. من هنا نعلم أنّها السّاعة الأخيرة." (يو1 - 2: 18)

(2) "من هو الكذّاب [الدجال]، إلاّ الّذي يُنكر أنّ يسوع هو المسيح؟ هذا هو ضدّ المسيح، الّذي ينكر الآب والابن." (يو1 - 2: 22)

(3) "وكلّ روح لا يعترف بيسوع المسيح أنّه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح ضدّ المسيح الّذي سمعتم أنّه يأتي، والآن هو في العالم." (يو1 - 4: 3)

(4) "لأنّه قد دخل إلى العالم مضلّون كثيرون، لا يعترفون بيسوع المسيح آتيا في الجسد. هذا هو المضلّ، والضّدّ للمسيح." (يو2 - 1: 7)

كما ترون في النصوص أعلاه، كاتب الرسائل يتحدث عن شخص عادي، ولكنه كذاب (دجال)، ومُضل، وضد المسيح، وبالانجليزية (Antichrist). وفي النص الاخير (4) يستخدم الكاتب صيغة الجمع، ويصف كل الذين لا يعترفون بالمسيح روح وجسد بأنهم ضد المسيح. والكاتب ليس بنبي ولا رسول. والظاهر انه كان يكتب الخرافات التي انتشرت في عصره بعد ان رفع الله المسيح عيسى بن مريم إليه.

وإن كان الدجال مجرد انسان عادي، فمن أين إذن أتت هذه الصور المرعبة، نار وقرون واشكال مخيفة؟ هذه تصورات وتخيلات، ويُمكن أن تسميها خرافات مسيحية. ولا ندري ماذا كتبَ، أو تداولَ، عنه قدماء المسيحيين من أساطير، لأن المسيحيين الان لا يعترفون إلا بما كتبه يوحنا، وأي شيئ سواه ألقوا به في سلة المهملات.

ثم بعد ذلك جاء المسلمون ونقلوا الخرافات والخزعبلات المسيحية، وأضافوا لها خرافات وخزعبلات أخرى، وتطورت الاسطورة، وجعلوا للدجال قدرات تضاهي قدرات الله سبحانه وتعالى، والدجال أعور وربك مش أعور، ونسبوا هذا الهراء كله الى رسول الله!

دجال المسيحيين فيه قرون، بينما دجال المسلمين أعور العين. مع العلم ان العين العورا لا تعني انها عمياء، وإنما فيها خلل فقط، شكلي أو بصري. فمن أين أتت العين العورا يا ترى؟ بعد البحث في هذه النقطة، وجدنا موضوع على ويكيبيديا يتحدث عن الدجال وما يقوله الناس في وصفه. وجاء في المقال ان كتب العهد القديم، والكتابات اليهودية القديمة، خلت تماما من أي شيئ اسمه الدجال. ولكن توجد في التلمود آراء بعض الحاخامات اليهود، يعود تاريخها الى القرن السابع الميلادي وما بعده، وفي هذه الآراء وجدنا العين العورا.

إقتباس:
"يوصف بأنه أصلع الرأس، عين كبيرة، والعين الاخرى صغيرة"

"He is described as bald-headed, with one large and one small eye"
https://en.wikipedia.org/...

الظاهر ان كعب الاحبار هو من أحدث هذه الاسطورة في دين المسلمين. بعد ذلك زاد الناس على أقواله، وأبدعوا في وصف الدجال وقدراته الخارقة. ومع تقدم الزمن يزيد الحشو وتتعاظم الخرافة. لذا كان في موطأ مالك حديث واحد فقط عن الدجال، لأنه أقرب عهدا بالفترة النبوية، وكان عبارة عن رؤيا منامية منسوبة الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، رأى فيها المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، فسأل من هذا، فقيل له المسيح ابن مريم، ومن ذاك، فقيل الدجال. وانتهى الدجال في موطأ مالك على هذا الحلم. ولكن حلم مالك أصبح حقيقة فيما بعد، وبلغت أحاديث الدجال العشرات في البخاري ومسلم، وجعلوا له قدرات وإمكانيات خيالية، فهو الذي يُميتك ويُحييك، يُفقرك ويُغنيك، يُطعمك ويُسقيك، وإذا مرضت فهو يُشفيك.

وبما أنه لا يوجد في كتب اليهود القديمة أي ذكر عن الدجال، فهذا يعني ان اليهود المتأخرين نقلوا الخرافة عن المسيحيين وأضافوا لها بعض الزخارف والرتوش.

كان قدماء المسلمين مثل الوعاء الفارغ الذي يُمكن ملئه بأي شيئ، وذلك انهم قوم أميون لا يعلمون ما في كتب الامم الاخرى. فإذا أتى من يدعي ان رسول الله قال ان جميع الانبياء حذروا قومهم من الدجال، فلا أحد يستطيع التحقق من صحة أقواله، والبحث في كتب الامم السابقة ليرى إن كان ما يقوله صحيح أم لا.

معركة هرمجدون!

لا يوجد أي حديث عن الخرافة الجديدة المسماة هرمجدون، والسبب هو أن قدماء المسيحيين كانوا يفترضون انها معركة روحانية أو سماوية، وذلك أن الباب الذي ذكر المعركة (ان صح الوصف على انها معركة أصلا) يتحدث عن الله يَصبُ جام غضبه على الارض بواسطة الملائكة، زلازل وبراكين وطوفان. ولو كان قدماء المسيحيين يعتقدون انها معركة حقيقية، لرأينا اليوم أطنانا من الاحاديث الملفقة!

ورد ذكر هذه المعركة الخرافية في الباب 16 من كتاب الرؤيا في العهد الجديد. ومن إسم الكتاب، الرؤيا، يبدو ان المؤلف كان يحلم كوابيس!

سفر الرؤيا، الاصحاح السادس عشر

لم يرد أي ذكر عن هذه المعركة الاسطورية في كتب العهد القديم، ولكن ورد اسم قريب من هرمجدون، مجدو، اسم مدينة، ولا يُعرف مكانها بالضبط، وليس فيها أي ذكر عن معارك، ولا حتى فيها نبؤات.

إقتباس من ويكيبيديا:
"لا شيئ من نصوص العهد القديم هذه يصف مدينة مجدو بإعتباره مرتبطا بمعتقدات نبوية (نبؤات) معينه."

"None of these Old Testament passages describes the city of Megiddo as being associated with any particular prophetic beliefs."
https://en.wikipedia.org/wiki/Armageddon

نسخ ولصق من الخرافات المسيحية
هرمجدون معركة سياسية، وليست واقعية أو نبؤة دينية مستقبلية. وهذا التفسير الجديد عن المعركة الهرمجدونية كان لدعم الوجود الصهيوني في فلسطين، والضحك على المغفلين في أمريكا حتى يؤيدوا المزاعم الصهيونية. هذه هي القضية برمتها.

ومثلما فعل قدماء المسلمين في الماضي في نسبة أي خرافة يسمعونها من أهل الكتاب الى رسول الله، هاهم اليوم المعاصرين من المسلمين يفعلون نفس الشيئ. يصدرون الكتب ويحررون المواقع الالكترونية عن هرمجدون. ولو كان بمقدورهم تلفيق أحاديث جديدة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما ترددوا في ذلك.

سؤال: اذا كان ابن حنبل وابن معين لم يقصدا كل الاحاديث دون استثناء، فما هي الاحاديث التي قصدوها، وما هي الاحاديث التي استثنوها؟ وإن كنتم لا تعلمون ماذا قصدوا وماذا استثنوا، فكيف علمتم انهم لم يقصدوا الاحاديث كلها؟ وإن كان هذا الافتراض مبني على انهم يستثنون أحاديث البخاري، فهذه القول مردود على أصحابه، وذلك أن يحيى بن معين يضعف رجال أخرج لهم البخاري. والتالي مثالا وليس حصرا، من كتاب «التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح»، "(1100) عمرو بن مرزوق أبو عثمان... قال أبو بكر بن أبي خيثمة سُئل يحيى بن معين عنه فقال هو ضعيف" ، "(1395) هشام بن حجير المكي... قال أبو حاتم يُكتب حديثه وضعفه بن معين جدا" -- ومع ذلك لا نقول بأن يحيى بن معين اعتبر احاديث الفتن كذب وريح بسبب السند، هو أستخدم المعيار الذي رآه مناسبا من وجهة نظره، ولم نذكر هذه النقطة إلا ليرى من يفترض ان بن معين يستثني رجال البخاري.

وقد رأينا في فقرة سابقة ان مسألة الصحيح والضعيف مسألة تقديرية، وقاعدة المحدثين القائلة بأن الجرح مُقدم على التعديل لا يعملون بها، وفيها مجاملات، فإن كان الحديث في البخاري أو مسلم غضوا الطرف عن الراوي مهما بلغ الطعن فيه. ولو طبقوا القاعدة بحذافيرها لما تبقى من صحيح البخاري أكثر من مائة حديث.

ثم ان البخاري لا يعتمد على السند فقط في تقدير صحة الحديث، وإنما أيضا على معايير أخرى وتقديرات خاصة. فمثلا توجد صحيفة لدى المحدثين تسمى صحيفة همّام. نقلها همّام بن مُنبّه عن أبوهريرة مباشرة. كان أبوهريرة يُحدث، وهمام يكتب الاحاديث على الصحيفة. فإذا كان أبوهريرة لا ينطق إلا بما تأكد انه من رسول الله، وهمام راوي ثقة، فكان يجب على البخاري أن يروي كل ما جاء في الصحيفة دون استثناء. ألا يقولون ان الحديث دين، ويجب علينا أن نؤمن بكل ما صح عن رسول الله؟ وبما ان همام كتب الصحيفة مباشرة عن ابوهريرة، فلابد من اعتبار احاديثها في أعلى مراتب الصحة. ولكن البخاري لم يروي في كتابه كل احاديث الصحيفة! أحد الاحاديث التي استثناها البخاري هو الحديث القائل ان الشمس توقفت في وسط السماء في انتظار بني اسرائيل الى ان ينتهوا من معركتهم. ربما لم يقتنع البخاري بأن الشمس يمكن ان تقف في السماء، وتختل موازين الطبيعة لأجل خاطر اليهود، فرجّح ان يكون القول قد اختلط على ابوهريرة وتوهم انه حديث، بينما هو من أقوال كعب الاحبار، فضرب على الحديث صفحا وكأنه لم يكن. نحن الان لا نتكلم عن احاديث قالها فلان عن علان، وإنما أحاديث مكتوبة على نفس الورقة، فكيف تأخذ وتلغي منها ما شئت؟ "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟"

ربما يقول قائل، لماذا التركيز على البخاري؟ السبب في ذلك هو أن عامة المسلمين تمت برمجتهم على ان كل ما جاء في البخاري صحيح. وإن تعارض حديث البخاري مع القرآن، يحملون القرآن على غير معناه الظاهر، لأن البخاري عنده حديث يتعارض مع الاية. وإلا فلا توجد عداوة شخصية مع البخاري وكتابه. انسان اجتهد أصاب وأخطأ. وكتابه مثل أي كتاب آخر من كتب الروايات.

وقالوا ان الامة قد أجمعت على تلقي الصحيحين بالقبول، وفي الاجماع أعظم حماية وأكثر نفعا!

لو كان اجماع الامة صحيح، لكنّا اليوم في مقدمة الامم! وما أوصلنا الى هذا التخلف والانحطاط إلا الاجماع الذي اتخذه الاولون. ومن يزرع الشوك يجني الجراح.

Script:DoSizeImage4

الحقيقة هي أن أغلب الاحاديث ضعيفه، سواءا كانت في البخاري أو غيره، وخير مثال على ضعف أغلبها هو مُوَطّأ مالك، فقد قال فيه عتيق الزبيري، أحد أئمة المالكية، "وضع مالك المُوطأ على نحو من عشرة آلاف حديث، فلم يزل ينظر فيه ويُسْقِطُ منه حتى بقي هذا، ولو عاش قليلا لأسقطه كله." (محمد بن محمد الاندلسي الراعي، كتاب: انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الامام مالك، 1981م، ص209).

لا يحتوي مُوطأ مالك الان إلا على ما يقارب ستمائة حديث وأثر مسند فقط، وكان في الاصل عشرة آلاف حديث، ولو أطال الله في عمر مالك، على رأي الزبيري، لأسقط الموطأ كله. وما قام مالك بهذا الحذف إلا بعد أن تبين له الكذب والتلفيق في الاحاديث. مع العلم ان موطأ مالك يُعتبر من أول الكتب التي جمعت الحديث النبوي. وبسبب الاقدمية، وقربه من عهد رسول الله، ووجوده في مدينة رسول الله، يُفترض ان تكون الاحاديث الضعيفة في عصره أقل. ومع ذلك، لو عاش قليلا، لأسقط الكتاب كله!

وكان المفروض أن يسيروا على خطى مالك، ويستمروا في تنقيح الحديث من الشوائب، ومقارنة الحديث بالقرآن، وكل ما خالف القرآن، أو لم يذكره القرآن، حذفوه، ولكنهم فعلوا النقيض، فأضافوا لعقائد المسلمين خرافات وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان، وكأن العبرة بالكمية، "قل لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون" (المائده 100).

راجع كتاب: أضواء على السنة المحمدية، تأليف: محمود أبو رية

توجد تلميحات في القرآن تدل على ان المسيح بن مريم سوف يعود الى الدنيا قبل يوم القيامه، منها: "والسّلام عليّ يوم وُلدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّا" (مريم 33)، وبما انه لم يمت بعد، فمن المحتمل انه سيعود الى الدنيا مرة أخرى ويموت فيها. المشكلة ليست هنا، ولكنهم جعلوا عودة المسيح مرتبط بالمهدي والدجال. وعلى هذه المعادلة التي تقوم على ثلاثة شروط اساسية، فلابد أن يكفروا بالمسيح ابن مريم إذا أتى ولم يأتي قبله الدجال والمنتظر. وإذا قامت القيامة ولم يأتي المنتظر... فهل سيصدقوا ان القيامة قامت، أم سيفترضوا انها مجرد شوية زلازل وتعدي؟

يُنسب حديث الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انه كان يستعيذ من فتنة الدجال، "أعوذ بك من فتنة المسيح الدجال" (رواه البخاري). والمفروض ان يستعيذوا من فتنة المسيح بن مريم، وليس من الدجال الخرافه. ونتمنى أن لا يُعيد الله المسيح بن مريم الى الارض مرة أخرى، لأن قدومه سيكون فتنة حقيقية تجعل الحليم حيران.

الخاتمة: علامات الساعة هي فقط تلك التي تحدث عنها القرآن، أمّا الاحاديث التي تم جمعها بعد أكثر من مائتين سنة من نزول القرآن فهي كما قال عنها يحي بن معين، كذب وريح. ولو كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلم ما سيحدث في المستقبل، لكان حذر عثمان ابن عفان، وعلي بن ابي طالب، من الفتن الكارثية التي حدثت في عهدهما -- أي شيئ لم يرد ذكره في القرآن فقد عفا الله عنه، فلا ترهق نفسك بشيئ ليس مطلوب منك. "يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم، وإن تسألوا عنها حين يُنزّل القرآن تُبدَ لكم، عفا اللّه عنها" (المائدة 101)، كل ما سكت عنه القرآن فقد عفا الله عنه، لك الحق ان تجتهد فيه، باب الاجتهاد مفتوح الى قيام الساعة، ولكن لا تجعل اجتهادك جزء من الدين وتلزم غيرك به، ولا تسأل رسول الله عن ما سكت عنه القرآن، وإذا سألت، فانتظر الى ان ينزل القرآن، ولن تجده في مصدر آخر غير القرآن. كما أنه يستحيل أن يأتي رسول الله بشيئ لم يرد ذكره في القرآن، "إنْ أتبعُ إلا ما يُوحىَ إليّ". ثانيا المسألة ليست مجرد أفكار وقصص للتسلية، وإنما تدخل في خانة المعتقدات، وسوف يُحاسب عليها المرءُ يوم القيامة، فماذا سيكون الرد؟ "إنا وجدنا آبائنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مهتدون" -- ولكن:  "إن هي إلّا أسماءٌ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّهُ بها من سلطان، إن يتّبعون إلّا الظّنّ وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربّهم الهدى" (النجم 23).

 


وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

End of Body

Script:DoPrintDlg