حقائق خفية في القرآن والتاريخ

Script:DoSizeHdr

Start of Body

تنقية السنة النبوية من الشوائب:
8. خرافة عجب الذنب (عظم العصعص)

تأليف: عيسى عبدالرحمن السركال
الشارقة، الامارات العربية المتحدة
تاريخ النشر: 2 ديسمبر 2023   

Script:PrintURL

قائمة المقالات: تنقية السنة النبوية من الشوائب
المقال السابق: كيف نشأت خرافة عذاب القبر
المقال الحالي: خرافة عجب الذنب

 

"ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة" (البخاري)

"كل ابن آدم يأكله التراب ، إلا عجب الذنب، منه خُلقَ وفيه يُركّب" (مسلم)

الحديث يصرح بشكل لا ريب فيه انه يوجد عظم في الانسان لا يبلى ولا تأكله الارض الى يوم القيامة، وهذا العظم اسمه عجب الذنب، وهو عظم العصعص.. دليل مادي لا يمكن رده. ألا تصدق؟ تفضل احفر قبر وستجد هذا العظم موجود على حاله، وكل قبر تحفره ستجد فيه عظم واحد لم تأكله الارض!!

ولكن التخريف شي، والواقع شي ثاني.. لا يوجد عظم في الانسان لا يبلى. كل العظام تبلى وكلها تأكلها الارض.

بعد هذه الورطة التي تجعل الحليم حيران، أتى المرقعون وقالوا ان الجنين يُخلق من عجب الذنب، وبالرغم من ان هذا الكلام نظرية، الا ان الحديث يقول ان العظم بحد ذاته لا يبلى، هذه هي القضية، تفضل فتش في المقابر ثم آتنا بهذا العظم الذي لا يبلى.

المشكلة الاخرى انه يوجد حديث يقول ان الناس في الماضي كانوا عمالقة، الواحد طوله ستين ذراع، طول بناية من ستة طوابق، وعلى هذا فلابد ان عجب الذنب في الواحد منهم متر مكعب على الاقل، ومع ذلك لم يتم العثور على عجب ذنب واحد منذ ان خلق الله الارض ومن عليها ولحد الان!

صور فوتوشوب ومقاطع فيديو على يوتيوب القصد منها الترويج لشيئ خرافي لا وجود له. طبعا الذين يروجون لمثل هذه الخرافات يعلمون انه لا توجد عظام لا تألكها الارض، ولكنهم وجدوا مجموعة من القطيع يمكن الضحك عليها فقرروا ان يبيعوا لهم الوهم.

استهبال البسطاء والمغفلين هو الوسيلة المفضلة في نشر الاشاعات والمعتقدات الخرافية.

مفاجأة: عظم الذنب تحول الى ذرة

 "ولا يبقى بعد الموت أي أثر لعظام من الجسم، لا عظام العصعص ولا غيرها، فكلها تحولت الى تراب.. وما يبقى منها يبلى، إلا ذراتها فهي لا تبلى.
إذن التعبير اللغوي «عجب الذنب» لا يعبر عن عظم من عظام الجسم، ولابد أنه يشير إلى معنى آخر، فلا يفسر على ظاهر اللفظ، ولابد أن يُفسر على المجاز أو الكناية.. وليس أمامنا من الناحية العلمية إلا أن نسلم أن «عجب الذنب» يعني «الذرة»"
موسوعة الاعجاز العلمي في الحديث النبوي - ج2، ص151
الدكتور / أحمد شوقي ابراهيم
رئيس مجلس ادارة المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة

طبعا العظم شي، والذرة شي ثاني، العظم يتكون من ذرات، ولكن الذرة ليست عظم، ولكنه لم يجد عظام لا تأكلها الارض، فقرر ان يجعله ذرة.

وبما ان عجب الذنب يتكون من ذرات، وان الذرات لا تبلى، فهذا شأن كل العظام دون استثناء، فما الذي يجعل هذا العظم مميز أكثر من غيره، وما هو الهدف من قول الحديث ان كل العظام تبلى الا هذا العظم الواحد؟ تخيل مثلا ان يقال ان كل الطلبة ذهبوا الى المدرسة الا سعيد.. ستفهم من هذه العبارة ان سعيد لم يذهب الى المدرسة، ولا يمكن ان يحمل العبارة على غير هذا المعنى الا من يريد الاستهبال ويهوى المغالطات المفضوحة.

طبعا ما كان لعجب الذنب ان يتحول الى ذرة الا بعد ان ثبت بالدليل القاطع انه لا يوجد عظم في الانسان لا يبلى.

"ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا..."

وهنا يأتي سؤال:

هل يستطيع الله ان يعيد العظام التي تبلى، أو انه لا يستطيع؟

"وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ۞ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" (يس 78 - 79)

الرَّمِيمُ : البالي من كلُ شيء - (موقع المعاني)

بناءا على الاية في الاعلى نجد ان الله قادر على ان يحيي العظام الرميم، العظام البالية.

"أيحسب الانسان ألّن نجمع عظامه" (القيامة 3) -- الله يقدر يجمع عظام الانسان كلها دون استثناء، البالي منها وما بقي على حاله.

"أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ۞ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ" (ق 3 - 4)

من تفسير ابن كثير: "قال الله تعالى رادا عليهم: ﴿قد علمنا ما تنقص الأرض منهم﴾ أي: ما تأكل من أجسادهم في البلى، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان؟ وأين ذهبت؟ وإلى أين صارت؟ ﴿وعندنا كتاب حفيظ﴾ أي: حافظ لذلك، فالعلم شامل، والكتاب أيضا فيه كل الأشياء مضبوطة." (ابن كثير - سورة ق).

جسم الانسان، وغيره ايضا من المخلوقات، يتكون من ذرات كيميائية، كذرة الحديد، والكالسيوم، وغيرها.. الذرات بحد ذاتها لا تأكلها الارض ولا تبلى. الله قادر على ان يأتي بهذه الذرات الصغيرة اينما ذهبت، ثم يعيد تركيب المخلوق منها من أول وجديد، ومثلما كان بالضبط.. هذا الكلام فيه منطق وحكمة، وذلك ان بعض البشر ستشهد عليهم ايديهم وارجلهم بما كانوا يكسبون، فكيف ستشهد عليه اذا استحالت اعادتها؟ أم ان الله سيخلق لهم اعضاء جديدة؟ وكيف لعضو جديد ان يشهد على شيئ لم يره؟ لا يمكن لهذا ان يحدث الا في شهادة الزور.

الانسان تفكيره محدود، يفكر في شيئ وينسى شيئ ثاني، لذا تجد الكثير من التناقضات بين الاحاديث والقران، لأن الاحاديث من تأليف وتلفيق البشر، وبكل تأكيد ان هذا الذي لفق حديث عجب الذنب لم تخطر على باله الايات القرانية التي ورد ذكرها في الاعلى، وفيها ان الله قادر على ان يحيي العظام وهي رميم، وان كل ذرة من ذرات جسم الانسان مسجلة في كتاب حفيظ.

وبعد ان علمنا انه لا يوجد في الانسان عظم لا يبلى، وان الله قادر على ان يعيد خلق الانسان من عظامه البالية المهترئة، ويجمعها ذرة ذرة اينما ذهبت واستقرت، "لَا يَعْزُبُ [لا يغيب] عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (سبأ 3)، يعني ربك مثلا يعلم ان ذرة الكالسيوم هذه الصغيرة جدا كانت في يوم من الايام تشكل واحد من ترليون من ذرات عظم في رجلك، تاريخها كله مسجل في كتاب مبين، وسيأتي بها يوم القيامة، وهو ليس بحاجة ان يحتفظ بعظم ليركّب عليه اعضاء جديدة، لتشهد شهادة زور على شيئ لم تره.

السؤال الان هو هذا: من اين اتى هذا الحديث الملفق الذي يحط من عظمة الله، وينقص من شأنه، يصوره على انه ضعيف لا يستطيع جمع العظام وهي رميم. بالاضافة لذلك، يعطي المسلمين معلومة غلط، واعتقاد فاسد، وهو انه يوجد عظم في الانسان لا تأكله الارض.

البحث في الجذور دلنا على رواية ذكرها القرطبي في تفسيره في سورة البقرة، في تفسير الاية "فقلنا اضربوه ببعضها"، كتب القرطبي: "وقال مجاهد وسعيد بن جبير: بعجب الذنب لأنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى، ويركب عليه الخلق" (تفسير البقرة، الاية 73)

القرطبي ينقل كلام مجاهد وسعيد بن جبير، وهم من التابعين، اقرب لعصر النبي من البخاري وغيره ممن دونوا الحديث. كلامهم هذا يدل على انه كانت لديهم فكرة ان عظم الذنب هو اول ما يخلق وآخر ما يبلى.. لا يقولون ان كلامهم حديث عن النبي، وانما مجرد فكرة كانت موجودة في ذلك العصر، ربما أخذوها من ثقافات الامم التي اختلطوا بها بعد انتشار الاسلام. هذه الفكرة تطورت واصبحت حديثا عن النبي في زمن متأخر. ثم اتى البخاري واخرج الحديث في كتابه.

لاحظ ان الفكرة الاصلية لا تقول ان عظم الذنب لا يبلى نهائيا، وانما آخر ما يبلى، ولكن تطور الرواية جعلته لا يبلى أبدا الى يوم القيامة. وهكذا شأن جميع الروايات الشفهية. اذا لم يتم تدوينها في نفس الوقت الذي قيلت فيه، فإنها تتطور مع الزمن، وتُنسب الى مشاهير، مع ان مصدرها الاصلي ربما كان مجهولا، وإلا كيف ستحافظ على وجودها اذا لم تُنسب الى شخص مشهور؟

"أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ۞ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ" (ق 3 - 4) - كل العظام تبلى وتصبح ذرات تذروها الرياح، عجب الذنب وغيره، ولكنها لا تتلاشى الى العدم، ولا يوجد شيئ اسمه عدم. هذه الذرات مسجلة في كتاب حفيظ، وسيأتي الله بها يوم القيامة، ليعيد الله خلق الانسان منها، بلحمه ودمه وكما كان في هذه الدنيا بالضبط.. قال يحتفظ بعظم قال!

عندما تنظر الى عقلية الناس في زمن البخاري، لابد ان تعذرهم في تصوراتهم، فالعناصر الكيميائية لم تكتشف الا في العصر الحديث، ولا يمكن رؤيتها الا بواسطة عدسات دقيقة مصممة لهذا الغرض، ولم يكن في علوم الناس في ذلك الزمن انها لا تفنى ولا تبلى.. كل هذا مُقدر ومفهوم، ولكن ان تُنسب هذه المفاهيم الخاطئة الى النبي، في حديث يعطي الانطباع ان الله لا يستطيع ان يحيي العظام وهي رميم، وانه يحتاج الى عظم لكي يبني عليه جسم جديد، بأعضاء جديدة، غير اعضاءه التي يتكون منها جسمه الحالي، فهذا التخريف هذا مكانه المناسب قصص الاساطير، وليس نصوص دينية يُفترض انها وحي من السماء، ناهيك انه لا يوجد عظم في الانسان لا يبلى، وبهذه الفقرة نصل الى نهاية المقال.

 

قائمة المقالات: تنقية السنة النبوية من الشوائب
المقال السابق: كيف نشأت خرافة عذاب القبر
المقال الحالي: خرافة عجب الذنب

End of Body

Script:DoPrintDlg