حقائق خفية في القرآن والتاريخ

Script:DoSizeHdr

Start of Body

ما صلبوه ولكن رجموه، والمرجوم شُبّه لهم!

تأليف: عيسى عبدالرحمن السركال
الشارقة، الامارات العربية المتحدة
تاريخ النشر: 20 فبراير 2014 (آخر تحديث: 8 مارس 2022)


Script:PrintURL


"ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا" -- "ولكن شُبّهَ لهم"

مقدمــــــــــــــــة وملخــــــــــــــــص

الامر الشائع بين الناس على مر العصور والازمان ان النبي يسوع مات مقتولا على صليب روماني، استنادا لروايات الاناجيل التي كُتبت بعد موته المُفترض بعشرات السنين... إذا كان يسوع قد خالف شريعة موسى، فيجب ان يُحاكم على شريعة موسى، لا على شريعة روما، وجزاءه بحكم الشريعة اليهودية هو الرجم، وليس الصلب الروماني.

سوف نرى في هذا التقرير ان يسوع لم يمت مصلوبا، وإنما مات مرجوما. لم يقتله الرومان، وإنما رجمه اليهود حتى الموت. وبعد موته علقوه على خشبه الى قبل مغيب الشمس، ثم انزلوه من الخشبة ووضعوه في ضريح مؤقت الى ان يحين وقت دفنه في قبر دائم بعد ثلاثة ايام، طبقا لأعراف اليهود في ذلك الزمن.

ولكن الذي حدث شيئ آخر! أظهرت الشواهد التي سنراها لاحقا أن الذي حلت عليه عقوبة الرجم هو يهوذا الاسخريوطي!

رُجم الاسخريوطي على حكم الشريعة اليهودية، التي سنرى تفاصيلها وطريقة تنفيذها فيما بعد، فتحطمت جمجة رأسه وانشق من الوسط.

مرجعنا الاساسي في تقرير ما في هذا الموضوع من معلومات هو كتب العهد الجديد القانونية، وبشكل خاص كتاب الاعمال ورسائل بولس. واستبعدنا تماما جميع المراجع التي لم تعترف بها الكنيسه، كأناجيل البوكريفه المنسوبة للطوائف التي تسمى هرطقه وانجيل برنابا وغيره من الرسائل والكتب التي لم تنل صفة القانونيه.

مسألة رجم يسوع ليست بالمعلومة الجديدة على أي حال. فقد سبق وقال بها السياسي البريطاني من أصل يوناني إينوخ پاول (Enoch Powell)، عالم في الكتاب المقدس وباحث وزميل في كلية معتقد التثليث في جامعة كامبردج.

بعد نهاية الملخص، سوف نعود الى آراء هؤلاء الباحثين المختصين، وبالتفاصيل والمراجع، والنص المقتبس باللغة الانجليزية، وذلك على حسب تسلسل مادة الموضوع. فالرجاء البقاء معنا على الخط وعدم استباق النتائج.

الصلب بالمسامير -- باحث في الادب القديم والاديان من جامعة سويدية يُدعى گانار صامويلسون (Gunnar Samuelsson) قام ببحث في المصطلحات الاغريقية القديمة وكيفية استخدامها في تلك الازمنة وتوصل الى حقيقة دامغة لا تقبل الجدال، ألا وهي ان الصلب بالمسامير لم يكن يستخدمه الرومان في الزمن الذي عاش فيه يسوع، بينما تصرح الاناجيل بإستخدام المسامير!

من ناحية أخرى قصة الصلب المكتوبة في الاناجيل هي مجرد قصة مفبركة كتبها مؤلف انجيل مرقس في روما بعد سنة (70) ميلادي، ثم نقلها عنه كتبة الاناجيل الاخرى. القصة بتفاصيلها مبنية على المزمور 22 وأشعيا 53 -- سوف يأتي الحديث عنها مفصلا في حينه.

إقتباس: "لا توجد اشارة الى موت يسوع بطريقة الصلب في أي مادة عن يسوع سبقت مرقس" -- (بَرتون ماك، مؤلف وباحث في التاريخ المسيحي وكتب العهد الجديد).

ربما يقول قائل، ان بولس، وهو أقرب عصرا بيسوع، وصفه بالمصلوب في بعض رسائله. الحقيقة هي انه لم يصفه بالمصلوب وإنما بالمعلق، ويقصد به التعليق بعد الرجم، ولكن التراجم الآن تكتب مصلوب. سوف نعود الى هذه النقطة، والمصطلحات المستخدمة فيها، في الباب المخصص لها.

جاء في القرآن الكريم: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" -- الصلب هو وضع المدان على الصليب. أي بمجرد وضعه على الصليب وهو حي، حتى وإن لم يمت، فهذا يعتبر صلب. ما دعانا لهذه القول هو نظرية الاغماء التي ظهرت في أوربا في القرن الماضي أو الذي قبله، وقال بها بعض المسلمين. تقول النظرية انه صلب، ولكن الصلب لم يؤدي الى موته! هذا القول لا يتفق ابدا مع ما نص عليه القرآن بصريح العبارة. فمثلا توجد حالات نادرة ان المشنوق لا يموت في المشنقه. ينزلونه من حبل المشنقة ظنا منهم انه مات. ولكن بعد الفحص يتضح انه لا يزال حي. فهل هذا يعني ان المرة الاولى ما شنقوه؟ الشنق لا يعني القتل، وإنما وسيلة تؤدي الى القتل. وكذلك الصلب لا يعني بالضرورة ان يموت. فإذا قال القرآن ما صلبوه، فلا يعني هذا سوى انه لم يوضع على الصليب مطلقا.

نأتي الان الى قوله تعالى: ما قتلوه؟ فإذا لم يكن قد صلبوه، فهو بالتأكيد لم يمت. فما هو الداعي إذن لقوله ما قتلوه؟ فهل القصد من هذه العبارة هو قطع الطريق أمام أي محاولة تقول ان يسوع قتل بطريقة أخرى غير الصلب؟ أو لعلها إشارة الى ان طريقة القتل لم تكن صلبا، وإنما وسيلة أخرى، وما جاءت عبارة "ما صلبوه" الا لنفي وسيلة زعمها قوم معينون. وربما كلا الاحتمالين: لقطع الطريق، وأيضا إشارة الى ان وسيلة القتل لم تكن صلبا.

مسألة موت يسوع على الصليب كانت في الماضي من المسلمات. ولكننا الان نجد من يقول انه رجم، مثال على ذلك الباحث البريطاني إينوخ پاول. وكلما تقدم الزمن، كلما انكشف المزيد من المعلومات والحقائق. ومع تهاوي قصة الصلب أمام الابحاث التاريخية، ربما سيأتي اليوم الذي تنهار فيه القصة نهائيا. فإذا قال القرآن ما صلبوه، وتوقف على هذه الكلمه، فإن احتمال الرجم يبقى قائم. ولكن القرآن أغلق الباب أمام جميع المحاولات والاحتمالات. لا صلبوه ولا قتلوه ولم يحدث له شيئ أبدا.

"بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما" -- وقبل وصول جند الهيكل للقبض عليه، قال ابن مريم عبارة لا يبدو ان المسيحيين استوعبوها: "أمّا الآن فأنا ماضٍ إلى الّذي أرسلني" (يو 16: 5). والآن تعني الآن، وليس بعد اربعين يوما أو بعد ثلاث سنوات. الرجل رحل الى السماء في تلك اللحظات، بعد ان تركه التلاميذ وهربوا، وظل القوم من بعده يتخبطون بين زلازل متىّ ومسامير يوحنا.

 

الفهرس...
(1) إينوخ پاول: يسوع لم يصلبه الرومان، وإنما رجمه اليهود حتى الموت!
(2) مرجوم على حكم الشريعة اليهوديه
(3) صلب يسوع: قصة خيالية مبنية على المزمور 22 و أشعيا 53
(4) من هو باراباس (أو بالاصح "يسوع" باراباس)؟
(5) عالم سويدي: يسوع لم يصلب!
(6) من كتاب الاعمال: مثبت على الارض ومقتول على الارض ثم معلق على خشبه
(7) مصطلح الصلب في النسخة السبعينية
(8) ألم يكن بولس يعرف المسمار؟
(9) بولس يقول ان في جسده "ندوب" الرب يسوع!
(10) مصادر قصة مرقس
(11) يسوع في التلمود
(12) القيــــــــــــــامـه...
(13) يوحنا يُلمح برجم يسوع: لا تلمسيني! وحقيقة المسامير والطعنه؟
(14) قيامة القديسين وزلازل متّى
(15) الغش والتزوير في الاناجيل: اذا اختلف اللصان انكشفت السرقه!
(16) تهمة لا يعاقب عليها القانون!
(17) بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما -- فتشوا الكتب
(18) الختــــــــــــــــــــام

 

 

1) إينوخ پاول: يسوع لم يصلبه الرومان، وإنما رجمه اليهود حتى الموت!

السياسي البريطاني من أصل يوناني إينوخ پاول (Enoch Powell)، عالم في الكتاب المقدس وباحث وزميل في كلية ترينيتي، كلية في معتقد التثليث، في جامعة كامبردج، أصدر كتابا في العام 1994 حول انجيل متىّ، بعنوان تطور الانجيل:
(The Evolution of the Gospel).

قام بدراسة الانجيل ومقارنته بإصوله الاغريقية، وتبين له ان انجيل متىّ طرأت عليه تعديلات لم تكن موجودة في النص الاصلي.

من بين هذه التعديلات التي لم تكن موجودة في النص الاصلي  هي الطريقة التي مات عليها يسوع. حيث ان النص الاصلي لم يذكر شيئا عن موت يسوع، لا صلب ولا غيره. ثم دقق في روايات الصلب ومحكمة يسوع ولاحظ ان كل ما جاء فيها مصطنع من وحي الخيال. ومحكمة يسوع في الهيكل أمام القاضي قيافا أصدرت عليه حكم الاعدام، فلماذا يأخذوه لمحاكمة أخرى أمام الحاكم بيلاطس؟ فإن كان القضاة اليهود قد حكموا عليه بالموت، بحسب ما جاء في الانجيل، فإنهم سيصدرون الحكم من شريعتهم. وتهمة التجديف في الشريعة اليهودية عقوبتها الرجم وليس الصلب الروماني.

كما لاحظ پاول ان سيناريو المحاكمة أمام بيلاطس هو نفس سيناريو المحاكمة أمام رئيس الكهنة، مشهد متكرر. وقد وصل التشابه في بعض الاحيان الى حد التطابق، كلمة بكلمة وحرف بحرف، مثال:

"فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع: أما تجيب بشيء؟ ماذا يشهد به هؤلاء عليك؟"  (مرقس 14: 60)

"فسأله بيلاطس ايضا قائلا: أما تجيب بشيء أنظر كم يشهدون عليك" (مرقس 15: 4)

توفي پاول في العام 1998 وخلف وراءه عاصفة لم تهدأ. وذلك لما له من وزن في المجال السياسي والديني.

الاقتباس التالي تعليق على الكتاب بقلم احد معارضيه:

Enoch Powell
http://www.ukapologetics.net/...
في عام 1994، عن عمر يناهز الـ 82، نشر پاول كتاب "تطور الإنجيل،" وكان دراسة لنصوص انجيل متىّ. أحدث الكتاب عاصفة (كما كانت الكثير من انشطته فعلت من قبل)، پاول قلب نصوص انجيل متىّ رأسا على عقب، مُصرًا على ان يسوع لم يصلبه الرومان على الاطلاق، وإنما رجمه اليهود حتى الموت. قطّع نصوص متىّ الى قصاصات، لا يؤمن على ما يبدو بالكثير الذي نصّ عليه الانجيل. حتى ان علماء ليبراليين رفضوا الكثير مما كتبه پاول.

روبرت شيفيرد يلخص هذه العاصفة على پاول وتدنيسه لكتاب متىّ بشكل جيد في كتابه، ويقول: «كما لاحظ الباحث والناقد جيني مينزي: "إحذف صلب يسوع وقيامته، ومحاكمته أمام بيلاطس، وموعظته على الجبل، ومسح يسوع من قِبل المرأة المجهولة في بيت عنيا، وسوف يكون لديك انجيل متىّ بحسب اينوخ پاول." في صحيفة سبكتيتر، الكاتب في الامور الدينية، بيتر هيبليثويت، حكم على كتاب پاول بقوله: "ان ما جاء فيه أكثر ضررا على رسالة المسيحية مما قد ألمح إليه ديفيد جانكين، اسقف دورهام لبعض الوقت." وسأله تيري كولمان ان كان يؤمن بالمسيحية، اجاب پاول بغموض، "أنا عضو مطيع في كنيسة انكلترا"» (ص 500، شيفيرد).
 in 1994, at the age of 82, Powell published 'The Evolution of the Gospel,' which was a textual study of Matthew. The book caused a storm (as so many of Powell's activities had done during his lifetime), Powell completely stood the text of Matthew on its head, insisting that Jesus was not executed by the Romans at all but was stoned to death by the Jews. He cut the text to pieces, apparently disbelieving much of what Matthew actually states. Even sworn biblical liberals rejected much of what Powell wrote.

Robert Shepherd sums up this storm over Powell's desecration of the Book of Matthew rather well in his book stating: "As the scholar and critic, Gina Menzies, observed: 'Eliminate the Crucifixion and Resurrection, Jesus' trial before Pilate, the Sermon on the Mount, the anointing of Jesus by an unnamed woman at Bethany, and you have Matthew's Gospel according to Enoch Powell. In the Spectator, the writer on religious matters, Peter Hebblethwaite, judged that Powell's book 'is much more subversive of the Christian message than anything David Jenkins, the sometime Bishop of Durham, has hinted at.' Pressed by Terry Coleman on whether he was a believing Christian, Powell replied cryptically, 'I am an obedient member of the Church of England.'" (p 500, Shepherd).

وقد راجعوه فيما كتب وطلبوا منه التراجع فرفض. وبعد ان رفض، جاءت الكتابات والمقالات التي تهاجمه وتهاجم كتابه. وعلى نفس الرابط في الاعلى، قاطعه حزبه الذي ينتمى اليه، كما قاطعته المنظمات والهيئات التبشيرية التي كانت تكن له الاحترام والتقدير.

تمسكه برأيه وعدم رضوخه لكل الضغوط والابتزازت انما يدل على قناعته التامة بالنتيجة التي توصل إليها: يسوع لم يصلبه الرومان، وإنما رجمه اليهود حتى الموت.

 

2) مرجوم على حكم الشريعة اليهوديه

إذا كان يسوع قد خالف شريعة موسى، فمن الطبيعي أن يحاكمه اليهود على شريعة موسى، ويصدروا عليه حكما من شريعتهم. ومن غير المعقول على الاطلاق أن يطبقوا عليه عقوبة رومانية، أو حتى ان يقبلوا بها بديلا عن عقوبتهم. وكيف لهم ان ينكروا عليه مخالفته شريعة موسى، ثم يقومون هم بمخالفتها؟!

يوجد موضوع في الموسوعة اليهودية عمّا يُسمى بعملية صلب يسوع. يتحدث الموضوع عن عدة نقاط حول صلبه. نقتبس منه الفقرة التاليه:

JewishEncyclopedia.com - Crucifixion
http://www.jewishencyclopedia.com/...
"ما بين عقوبات الاعدام المعمول بها في قانون العقوبات اليهودي، لا يوجد بينها عقوبة الصلب، الرجم ثم التعليق على خشبه، طبقا لما هو مكتوب في سفر التثنية (21: 22)، كان هو الحكم المعمول به اثناء فترة العهد الجديد... محال ان تصدر محكمة يهودية عقوبة الاعدام بالصلب من غير ان تخالف القانون اليهودي... من وجهة النظر اليهودية، الجريمة التي ادان بها الكهنة اليهود يسوع في محل شك كبير. فإن كانت التجديف، فعقوبتها الرجم، استنادا للقانون اليهودي، مع التعليق في مشنقة بعد الموت." "Among the modes of Capital Punishment known to the Jewish penal law, crucifixion is not found; the hanging of criminals on a tree, mentioned in Deut. xxi. 22, was resorted to in New Testament times only after lapidation... A Jewish court could not have passed a sentence of death by crucifixion without violating the Jewish law... From the Jewish point of view, the crime of which Jesus was convicted by the Jewish priests is greatly in doubt. If it was blasphemy, lapidation should, according to Jewish law, have been the penalty, with suspension from the gallows after death."

أضف الى ذلك انه لا يوجد سببا يجعل الرومان ينفذون فيه عقوبة الصلب. وهي بالتحديد مخصصة للثوار الذين يشكلون خطرا على الامبراطورية الرومانية، وعلى عتاة المجرمين القتله. وهو لم يكن كذلك ابدا: "اعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله" (مرقس 12: 17). ولو رأى الرومان فيه ادنى خطر على وجودهم في فلسطين، لما تركوا اتباعه يمارسون دعوتهم الى دينه بعد موته بكل حرية. الثورة فكر وتوجه وليست شخص، فإن كان يحمل افكارا ثورية، فالبضرورة ان يسير اتباعه على نهجه، معتقدين بأفكاره وتوجهاته الثورية، ولكن لم يحصل هذا. الذين اضطهدوا اتباعه من بعده هم خصومه من اليهود، وليس الرومان، يقول بولس: "الّذين قتلوا الرّبّ يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن" (تسالونيكي الاولى 2: 15).

يقول البعض ان اليهود لم يكن مصرح لهم تنفيذ عقوبات الاعدام، مستندين الى ما كتبه يوحنا "لا يجوز لنا ان نقتل احدا" (18: 31)، وكأن يوحنا مؤرخ، هدفه ايصال الحقيقة، ولا كأنه يُروج لغرض ديني، يُريد تسويقه بأي طريقة.

الموسوعة اليهودية في الاقتباس في الاعلى تؤكد صلاحيتهم في تنفيذ عقوبات الاعدام في الامور التي تخصهم، والاحتلال الروماني لم يُلغي أحكام شريعتهم.. بالاصافة لذلك، الاقتباس التالي من موقع تحقق من اقوال يوحنا لمعرفة حقيقتها، كاتب المقال مؤرخ وبروفيسور جامعي متخصص في القانون الدستوري:

Famous Trials - The Sanhedrin - By Professor Douglas O. Linder
https://www.famous-trials.com/...
يشير إنجيل يوحنا إلى أن السنهدرين سلّم يسوع إلى بيلاطس لأنه كان يفتقر الصلاحيات لفرض عقوبة الاعدام: "قال لهم بيلاطس: خذوه انتم واحكموا عليه حسب شريعتكم". أجاب اليهود: "ليس مُصرح لنا قتل احد".

لكن كتاب المشناه يُظهر بوضوح ان السنهدرين كان لديه الصلاحية لفرض عقوبة الاعدام لبعض الجرائم -- على الاقل قبل العام 200 ميلادي. بشكل محدد، المشناه السنهدرين 6.1 الى 6.4 يصف اجراءات الرجم. لا يوجد دليل على ان اليهود لم تكن لديهم الصلاحية في العام 30 ميلادي. وعلى العكس من ذلك تماما، هناك أدلة على أن الرومان فضلوا ترك أكبر قدر ممكن من السلطة للسيطرة على الجرائم الدينية في أيدي السلطات اليهودية.
The gospel of John indicates that the Sanhedrin turned Jesus over to Pilate because it lacked the power to impose death: "Pilate said to them, 'Take him yourselves and judge him according to your law.' The Jews replied, 'We are not permitted to put anyone to death.'"

The Mishnah, however, clearly shows that the Sanhedrin did have the power to impose death for certain crimes--at least sometime before 200 C.E. In particular, Mishnah Sanhedrin 6.1 to 6.4 specify the procedures for stoning. There is no evidence to suggest that the power did not exist in 30 C.E. On the contrary, there is evidence that the Romans preferred to leave as much power as possible to control religious crimes in the hands of Jewish authorities.

كما ترى في الاقتباس اعلاه، الرومان تركوا الحكم في القضايا الدينية لليهود، وهذا هو التصرف الطبيعي.. الرومان لا يعرفون دين اليهود، ولا يعرفون ما هو المسوح والممنوع في دينهم، ومن مبدأ، انتم ادرى بشئون دينكم، اعطوهم كامل الصلاحية في اصدار الاحكام التي يرونها مناسبة.

من الذي اراد الحكم على بولس وانزال العقوبة به، وبأي شريعة؟

 اعمال الرسل
24: 1 و بعد خمسة ايام انحدر حنانيا رئيس الكهنة مع الشيوخ و خطيب اسمه ترتلس فعرضوا للوالي [فيلكس] ضد بولس
. . . . . .
24: 5 فاننا اذ وجدنا هذا الرجل مفسدا و مهيج فتنة بين جميع اليهود الذين في المسكونة ومقدام شيعة الناصريين
24: 6 وقد شرع ان ينجس الهيكل ايضا امسكناه واردنا ان نحكم عليه حسب ناموسنا
24: 7 فاقبل ليسياس الامير بعنف شديد و اخذه من بين ايدينا

لا توجد تواريخ في كتاب الاعمال ولكن بحسب التقديرات فإن الحادثة اعلاه حصلت في حدود سنة 57 ميلادي. الحاكم الروماني على اليهودية في ذلك الوقت يُسمىَ فيلكس.

اليهود قبضوا على بولس وارادوا الحكم عليه حسب ناموسهم (24: 6). ما الذي تغير؟ ما الفرق بين بولس ويسوع؟ كلاهما خالفا شريعة موسى من وجهة نظر اليهود، فكيف يحكمون على احدهما حسب ناموسهم، بينما يحكمون على الاخر بحسب ناموس الرومان؟

بولس مواطن روماني، ومن هذه الناحية هو يختلف عن يسوع، لذا قام ليسياس واستخلصه منهم قبل ان يصدروا عليه الحكم.

الان اذا كان لابد من عقوبة رومانية، فالاولى ان يحكموا بها على بولس، لأن جنسيته روماني. فكيف يحكمون على اليهودي عقوبة رومانية، بينما يحكمون على الروماني عقوبة يهودية؟!

ما حدث مع بولس هو نفس السيناريو الذي حدث مع يسوع، ولا يوجد أي قانون او احتمال يجعلنا ان نفترض سيناريو آخر.

اقرأ سفر الاعمال من الفصل (24 الى 25)، وباستثناء الامتيازات التي يتمتع بها بولس كمواطن روماني، فإن الاجراءات تبقى هي نفسها.. يحكم اليهود على المتهم الذي يخالف شريعتهم طبقا لناموسهم، ثم يأخذون الاذن من الحاكم الروماني لتنفيذ العقوبة، لان الاعدام عقوبة كبرى تستوجب موافقة الحاكم. يقوم الحاكم ويستدعي المتهم ليسمع اقواله، فإن وجد ما يُدينه، اعطاهم الاذن بقتله، على شريعتهم.

الوالي بيلاطُس استدعى يسوع وسمع اقواله، نجد هذا في رسالة بولس: "والمسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس البنطي بالاعتراف الحسن" (تيموثاوس الأولى 6: 13)، الاعتراف الحسن يعني انه قال قولا حسنا ونفىَ التُهم عن نفسه، وإلا فلن يكون اعترافا حسنا اذا اقر بالتهمة. واذا اخذنا بالقياس على حالة بولس، فلابد من الافتراض ان بيلاطس اطلق سراح يسوع بعد ان سمع منه الاعترف الحسن، مثلما اطلق فيلكس سراح بولس، ولكن للاسف لا يوجد مصدر يخبرنا كيف تطورت الامور مع يسوع بعد ذلك. أمّا ان نفترض ان اليهود اصدروا عليه عقوبة رومانية، ثم اقرها بيلاطُس في نفس اليوم، فهذا لا يُعقل.

في قصة بولس هذه نجد انه لا توجد مشكلة على الاطلاق بين الرومان واتباع يسوع، وهم الذين اسماهم النص بشيعة الناصريين (24: 5). لا يوجد ادنى سبب يجعل الرومان يقتلونه.

بعد سنتين من بداية مشكلة بولس، تغير الحاكم الروماني فيلكس، ولا تزال القضية عالقة. حل مكانه حاكم يدعى فَسْتُوس، فعرض أمر بولس على القيصر، على ما يبدو انه بعث له رسالة، وجاء في احد نصوصها: "فأجبتهم [اجاب اليهود] أن ليس للرومان عادة أن يُسلموا أحدا للموت قبل أن يكون المشكو عليه مواجهة مع المشتكين فيحصل على فرصة للاحتجاج عن الشكوى" (اعمال 25: 16) -- بعض التبريرات التي نجدها الان يقول اصحابها ان الرومان قتلوا يسوع لأن اليهود زعموا انه يريد ان يصبح ملك اليهود. وكأن المسألة وكالة من غير بواب. يعني اذا اردت ان توقع بشخص مشكلة مع الرومان ويقتلونه، كل ما عليك ان تفعله هو ان تدعي انه يريد ان يصبح حاكم او ملك. هكذا بكل بساطة. وساعتها الرومان سيأخذونه من الشارع ويقتلونه بدون سؤال ولا استفسار! هاهو الحاكم الروماني يقولها بكل وضوح:  "ليس للرومان عادة أن يُسلموا أحدا للموت قبل أن يكون المشكو عليه مواجهة مع المشتكين". يسوع لم يدعي انه ملك، خصومه هم الذين زعموا ذلك، طبقا للاناجيل، سأله بيلاطس: أأنت ملك اليهود؟ أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم (يوحا 18: 36).

يسوع ليس حالة شاذة، مثله مثل استفانوس وبولس ويعقوب البار، حاكمهم اليهود حسب شريعتهم، بولس نجى من الموت على ايديهم، ولكن استفانوس ويعقوب البار قتلوهما رجما، ولو انهم تمكنوا من قتل بولس، لقتلوه رجما ايضا.
 

عقوبات الاعدام عند اليهود
http://www.jewishencyclopedia.com/...

من الرابط أعلاه، وهو من الموسوعة اليهودية، عقوبة الرجم: أشهر العقوبات وتشمل 18 حاله، منها: التجديف، الوثنية وعبادة الاصنام، التجاوز في احكام السبت، السحر والشعوذة، العذراء الزانية، والخائنة زوجها.

تنفذ هذه العقوبة بوضع المدان على منصة طول قامته مرتين ثم يُدفع الى الاسفل، فإن مات فلا زيادة. وإن لم يمت، يُقلب على ظهره، يُثبت على الارض، ثم يُقذف بصخرة ثقيلة على صدره، فإن مات فبها، وإن لم يمت يقوم الجميع برجمه حتى الموت. فتخيل أين سيكون التركيز في الرجم؟ على الجمجمة طبعا، لأن القصد منه القتل وليس التعذيب.

ويقول عن التعليق على الخشبه: "تربط يدي المدان الميت على رأسه مع بعض، ومنهما يُعلق"
"The dead convict's hands are joined above his head, and by them he is suspended"

التعليق بحد ذاته ليس عقوبه، لأن القتل قد حصل، وإنما هو زيادة في التشنيع. يُعلق من يديه على خشبة الى قبل غروب الشمس.

الصلب إذن لا وجود له في شريعة اليهود. ليس فقط لا وجود له، وإنما مخالف لشريعتهم وتجاوز في أحكام التوراة.

 

إقتباس: "يوضع المُدان على منصة طولها مثل ارتفاعه مرتين. يقوم أحد الشهود بدفعه الى الارض. فإذا الارتجاج لا ينتج عنه موتا فوريا، يقوم الشاهد الثاني بإلقاء صخرة ثقيلة بكل قوة على صدره. وعندما لا تنهي هذه الرمية البؤس الذي هو فيه، يقوم الواقفين برجمه بالحجارة الى ان يموت." -- (الموسوعة اليهودية)

"The convict having been placed on a platform twice his height, one of the witnesses throws him to the ground. If the concussion does not produce instant death, the second witness hurls a heavy stone at his chest; and only when this also proves insufficient to end his misery, the bystanders throw stones at the prostrate body until death ensues."
http://www.jewishencyclopedia.com/...

ولنفترض انهم دفعوه من على المنصة ولكنه لم يمت. فقاموا بتثبيته على ظهره وألقوا على صدره صخرة ثقيلة اقتلعت احشائه، ثم رجموه الى ان تحطمت جمجمة رأسه.

ولكن من هو في الواقع الذي حلت عليه هذه العقوبه؟    » » »    يهوذا الاسخريوطي!

ما يدل على ان يهوذا الاسخريوطي مات مرجوما بهذه الطريقه هو ما جاء عن بطرس في كتاب الاعمال، حيث يقول: "سقط على رأسه وانشق من الوسط فاندلقت أمعاءه كلها" (اعمال 1: 18).

"falling headlong he burst open in the middle and all his bowels gushed out." (English Standard Version, Acts 1:18)

في الترجمة العربية يكتبون سقط على وجهه. ولكن جميع التراجم الاجنبية التي تكتب الترجمة الحرفية تقول انه سقط على رأسه. ولا يستثنى منها سوى التراجم التفسيرية، وهي غير دقيقة كما هو معلوم.
http://biblehub.com/...

هكذا يكتبونها: (headfirst) أو (headlong)

وبحسب القاموس فإن معنى الكلمتين متساوي بالضبط، السقوط على الرأس أولا، كمثل الذي يقفز في بركة ماء على رأسه:
("a headlong dive into the pool").
http://www.thefreedictionary.com/...

كيف يسقط على رأسه وينشق من الوسط؟ لو انه سقط على وجهه فالاحتمال معقول، لأن الوجه أقرب للوسط من الرأس، ولكن اذا سقط على رأسه فإن قوة الارتطام ستكون مُركّزة على الرأس، ولن يكون لها أي تأثير يذكر على الوسط ، ناهيك ان تشقه. والعكس ايضا صحيح، اذا سقط على الوسط فلن يتأثر الرأس. حالة غريبة صعبة الحدوث بطريقة تلقائيه! ولا تفسير لها الا اذا تعرض لعقوبة الرجم على الطريقة اليهودية.

ما نجد هنا، هو ان يهوذا الاسخريوطي لم يسقط سقوطا عشوائيا كما ظن من رآه، وإنما نال عقوبة الرجم بعد ان شُبّه لهم، فقتلوه بالخطأ. ثبتوه على الارض وألقوا على صدره صخرة ثقيلة شقته من الوسط. ثم ليتأكدوا من موته قاموا برجمه بالحجارة الاصغر حجما على رأسه فتحطمت جمجمته. ظل طريحا في الحقل الزراعي لعدة أيام. وبعد ان تحللت جثته، جاء من وجده على هذه الحالة المزريه، رفعوه فاندلقت أمعاءه الى الخارج. من يرى الجثة دون ان يعلم بما حدث، يظن انه سقط على رأسه، نظرا لتحطم جمجمته، ثم لا يجد تفسيرا لانشقاقه من الوسط، فيقول انه انشق من الوسط دون ان يعطي سببا لهذا الانشقاق!

وفي القرآن: "ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين" (آل عمران 54). وعلى هذه الاية فإن نجاة يسوع من الاعدام كانت بحيلة ومكر. ولا يكون المكر الا بمثله وعلى إسلوبه. وفي آية أخرى توضح القاعدة العامة: "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر 43).

التلميذ بطرس كان في ذلك اليوم مختبأ في منزله خوفا على حياته، سمع كلام الناس عن الحالة التي رأوه عليها، محطم الجمجمة ومنشق من الوسط، فقال ما سمعه من الناس. وبكل تأكيد لا علم له بمسألة "شُبّه لهم".

الذين تآمروا على يسوع وقتلوه رجما كانوا هم المسؤلين عن دفنه، وليس المشير يوسف الذي ورد اسمه في الاناجيل. فقد جاء عن بولس في كتاب الاعمال: "وبعد ان تمموا كل الذي كتب عنه، انزلوه من الخشبة ووضعوه في ضريح" (أعمال 13: 29). بولس يتحدث عن نفس الفئة، نفس الفصيل، الذين قتلوه هم أنفسهم الذين انزلوه من الخشبة ووضعوه في ضريح. فلو كان يوسف هو من أخذ الجثه كما زعم مرقس والذين نقلوا عنه، فإنه يعتبر من فئة أخرى. لأنه، وبحسب مرقس، كان مؤمنا بيسوع ومنتظرا ملكوت الله. فكيف يصح لبولس أن يضمه الى فئة الاشرار؟ وإن كان بولس يخلط الحابل بالنابل، فلماذا لا يضم نفسه معهم، واتباع يسوع أيضا، ويقول مثلا: وبعد ان قتلناه وانزلناه من الخشبة ووضعناه في ضريح، بدأنا نروج لدينه الجديد وندعو الناس الى اعتناقه!

الحقيقة هي ان يوسف لم يكن سوى شخصية خيالية اخترعها مرقس ليوافق ما جاء في أشعيا 53: "ومع غني عند موته" -- نبؤة يعني!

وبالغ يوحنا في شأن المشير يوسف فجعله تلميذا ليسوع (يوحنا 19: 38)، ويقول انه تلميذا بالسر خوفا من اليهود، أي انه ليس من اليهود خالص، وليس له ادنى علاقة بهم.. عندما يستخدم يوحنا مصطلح "اليهود" هو يقصد اعداء يسوع، وإلا فإن يسوع وجميع اتباعه اثناء حياته كلهم يهود.

بعد أن قتلوا يهوذا الاسخريوطي ظنا منهم انه يسوع، أنزلوه من الخشبة قبل غروب الشمس، ثم أخذوه ليضعوه في ضريح مؤقت قريب من مكان الاعدام الى ان يحين وقت دفنه. وهم في طريقهم الى الضريح المؤقت، حدث شيئ اعلمهم انهم قتلوا الشخص الخطأ. فماذا عساهم فاعلين؟ فلعل ذلك المكان، أو الحقل كما يسميه شمعون بطرس، كان يملكه يهوذا من قبل. أو انهم قاموا بشراء الحقل وزعموا ان يهوذا اشتراه كما ذكر بطرس، أو أي شيئ من هذا القبيل. أخذوه وطرحوه في الحقل. وبعد عدة أيام تحللت الجثة. ثم جاء من وجده على هذه الحالة الشنيعة، رفعوه فاندلقت أمعائه كلها، فظنوا كما قال بطرس: "سقط على رأسه وانشق من الوسط فاندلقت أمعاءه كلها".

ومن البديهي ان لا يضعوه في الضريح المؤقت المخصص ليسوع بعد ان اكتشفوا حقيقة ما جرى لكي لا يثير بلبلة وفتنة في البلد. ظلّ ذلك الضريح فارغا، فتوهم بعض اتباع يسوع انه قام، لأن المجتمع اليهودي في ذلك الزمن كان يتقبل فكرة قيام الاموات، كما سنرى لاحقا!

وبعد أن رأينا الشواهد الدالة على ان يهوذا الاسخريوطي مات مرجوما، سوف نرى فيما بعد نصوصا من كتاب الاعمال و من رسائل بولس تدل على ان يسوع قتله اليهود رجما، بعد تثبيته على الارض، ثم تعليقه على خشبة بعد موته.

الان لدينا حكم بالرجم حتى الموت على يسوع. ولكن آثار الرجم ظهرت على جثة يهوذا الاسخريوطي! التوقيت الذي مات فيه الاسخريوطي هو نفس التوقيت المفترض لقتل يسوع. المكان الذي وضعوا فيه يسوع قيل انه بستان (حقل زراعي). والاسخريوطي أيضا وجدوه في حقل زراعي! ان كان هذا الكلام صحيح، فالاثنان اذن في نفس المنطقة. الفرق الوحيد بينهما هو ان جثة أحدهما موجودة، وجثة الآخر مفقودة. الذي وجدوا جثته، لم يشهد موته أحد. بينما الذي لم يجدوا جثته، يُفترض انه قتل شرّ قتله، ليكون عبرة لمن يعتبر. ما الذي جرى؟ وأين حدث الإشكال؟ لا يوجد حلا لهذا اللغز، ولا تفسيرا لهذا السيناريو، سوى انه شبّه لهم.
 

سيناريو طبيعي مُحتمل لتفسير: شُبِّهَ لهم!

سنستعرض في الفقرات التالية سيناريو يمكن ان يحدث بشكل طبيعي، مستبعدين نظرية الشبيه، النظرية القائلة باسقاط صورة المسيح على الشخص الذي أُعدام بدلا منه، مع العلم ان نظرية الشبيه لا تزال احتمال وارد.

شُبِّهَ -- شُبِّهَ عليه، وله: لُبِّسَ. (المعجم الوسيط)
شُبَّه له الأمرَ -- أبهمه عليه حتى اختلط بغيره وأُلبس عليه.
لبَس الأمرَ عليه -- اختلط واشتبه بغيرِه وعمّاه حتّى لا يعرف حقيقتَه.
(موقع المعاني)

من التعريف في الاعلى، المعنى الدقيق لكلمة "شُبّه" هو إلتباس الامر، أي حصلت لهم شبهة.

يحدث احيانا ان يُخطط شخصٌ لقتل آخر، فيحدث ما لم يكن في الحسبان فيموت قبل ان يُنفذ جريمته، كأن يسقط من ارتفاع شاهق، أو يتعرض لحادث في الطريق، أو تلدغه حية فتقتله، الخ، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها.

اذا اخذنا الان التعريف الحرفي لكلمة "شُبّهَ"، سيكون معنى الاية هكذا: وما قتلوه وما صلبوه ولكن لُبِّسَ الامرَ لهم، أي حدث لهم في الامر إلتباس، والمُحدثُ هو الله، فقتلوا صاحبهم بدلا من المسيح.

لنقرأ الان الايات التالية ثم نبني عليها احتمال الخطأ والاتباس في الامر على خصوم يسوع:

"سمع الفرّيسيّون الجمع يتناجون بهذا من نحوه فأرسل الفرّيسيّون ورؤساء الكهنة خدّاما ليمسكوه. فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيرا بعد، ثمّ أمضي إلى الّذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا." (يوحنا 7: 32 - 34)

"هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرّقون فيها كلّ واحد إلى خاصّته وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأنّ الاب معي" (يوحنا 16: 32).

نجد في الاقتباس اعلاه ان اليهود سيطلبون يسوع ولن يجدوه، بما يعني انهم لن يقبضوا عليه ابدا، ولا حتى ان يروه بأعينهم عندما يأتون لطلبه، فكيف ذلك يمكن ان يحدث وقد اعلنوا القبض عليه وقتله؟

وايضا من النص في الاعلى، ستأتي عليه ساعة يبقى فيها وحده، ولا تلميذ واحد معه في مخبئه، كلهم يتفرقون كلُ واحد منهم الى خاصته. في هذه اللحظة التي بقيَ فيها وحده حدث الالتباس فقبضوا على الشخص الخطأ.

سنرى في فصل لاحق ان المحكمة امام بيلاطس وامام رئيس الكهنة لم تجري بالطريقة التي صورتها الاناجيل نقلا عن مرقس. بيلاطس استدعى يسوع ليسمع اقواله ثم تركه ينصرف، وبعد اصرار اليهود على قتله، وافق بيلاطس على طلبهم، من مبدأ، هو صاحبكم وانتم ادرى به.
 

السيناريو هو التالي:

يقول بولس: "ان الرب يسوع في الليلة التي أُسْلِمَ فيها..." (كورنثوس الاولى 11: 23). بناءا على هذا النص نجد ان شخصا ما غدر بيسوع وقام بتسليمه، ولنفترض ان اسمه يهوذا الاسخريوطي، ولنفترض ايضا انه ساوم خصوم يسوع من كهنة الهيكل على مكافئةٍ مقابل التسليم، وبعد الاتفاق على المكافئة، ارسله الكهنة الى دائرة الشرطة ليقابل ضابط هناك، مع تعليمات مكتوبة فيها اسم الشخص المطلوب، ويُعدم في اليوم التالي اذا تم القبض عليه.. اليهود الان لديهم تصريح الاعدام من بيلاطس ولا يحتاجون الى تصاريح اضافية.

وكما هو الحال في الوقت الحاضر، العاملون في الشرطة في ذلك الوقت ايضا لا يعرفون كل فرد في المجتمع، ويحتاجون الى من يدلهم عليه، وكان الدليل هو الاسخريوطي. مع العلم ان قصة الصلب في الاناجيل تقول ايضا ان رجال الشرطة الذين قبضوا على يسوع لا يعرفونه. أضف الى ذلك ان يسوع من الناصرة ولم يكن شخصية معروفة في القدس، وطبقا للاناجيل، فهو لم يبقى في القدس سوى ستة ايام فقط قبل اعدامه. ولنقل شهر أو شهرين مثلا، لا تزال الفترة قصيرة.

بعد ان تركَ التلاميذُ يسوعَ وحده، اتى الاسخريوطي مع مجموعة من جنود الشرطة للقبض عليه، في ليلٍ مظلم، تتكون المجموعة من خمسين جندي مثلا.

بما ان الاسخريوطي هو الدليل، فمن الطبيعي ان يقف بجوار قائد المجموعة في الامام. الجنودُ الواقفون في الخلف لا يعرفون شكل الاسخريوطي، وكان الوقتُ ليلا والظلامُ يُخيمُ على المكان.

قائد المجموعة امر فريقا من الجُند باقتحام المنزل للقبض على يسوع، وامر فريقا آخر بمحاصرة المنزل حتى لا يتمكن من الهرب من النافذة مثلا.

مهما كان الشخصُ نذلا وغدّار، فمن الطبيعي ان ينحرج من مواجهة صديقه الذي يغدر به ويسلمه لاعدائه. وبناءا على هذا المنطق المعروف، وطبيعة البشر مهما كانت دنيئة، نفترض ان الاسخريوطي بقي في الخارج بجانب قائد المجموعة. اضف الى ذلك انه لا يحتاج الى الدخول مع الشرطة، لأن الشخص الموجود في المنزل شخص واحد فقط. جميع تلاميذه تفرقوا كلُ واحدٍ منهم ذهب الى خاصته وتركوه وحده، وكان الاسخريوطي احد الذين تركوه وحده. بقية التلاميذ ذهبوا الى خاصتهم والاسخريوطي ذهب الى خصوم يسوع.

يسوع الان اختفى ومضى الى الذي ارسله، كما نصت الاية في الاعلى، ستطلبونني ولا تجدونني، أمضي إلى الّذي أرسلني.

طال الانتظار في الخارج ولم يأتي الجنود المتواجدين في المنزل بنتيجة. هنا طلب قائد المجموعة من يهوذا الاسخريوطي بالدخول الى المنزل والتفتيش معهم.

دخل الاسخريوطي الى المنزل.. وبينما هو يمشي في احدِ ممراته، رآه الجنود فانقضوا عليه ظناً منهم انه يسوع. دفعهم يهوذا بيده وصرخ قائلا، ابتعدوا عني.. الجنود الذين في المنزل لا يعرفون شكل الاسخريوطي، وهم الان مرهقين من البحث والتفتيش، فقام احدهم وضربه بقوة على راسه بخشبة كانت في يده فأفقده عقله.

اعلن الجنود لقائدهم انهم قبضوا على يسوع. امر القائد جنوده بأن يأخذوه الى سجن انفرادي الى ان يحين وقت اعدامه، دون ان يتأكد هو بنفسه من شخصية المقبوض عليه، مفترضا ان يهوذا هو الذي اخرجه لهم. الان يهوذا الاسخريوطي دوره انتهى ولم يسأل عنه احد.

اخذوه في اليوم التالي واعدموه وهو فاقد الذاكرة من تأثير الضربة، لا يتمالك نفسه ولا يدري الى اين يأخذونه.

كلُ من اشترك في تنفيذ الاعدام لا يعرفون يسوع ولا يعرفون الاسخريوطي. جرت عملية الاعدام خارج المدينة، ولم يشهدها من الجمهور احد، أو شهدها القليل فقط، ليس منهم من يعرف يسوع او الاسخريوطي، "لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَألمَ خَارِجَ الْبَابِ [خارج باب المدينة]. فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ." (عبرانيين 13: 12 - 13).

عمليةُ الاعدام عمليةٌ مؤلمةٌ مرعبةٌ تقشعرُ لها الابدان، ولا يوجد انسان سوي يستمتع بمشاهدتها، ناهيك ان يذهب أحدٌ من تلاميذ يسوع الى خارج المدينة ليرى زعيمه وصديقه يُقتلُ أمام عينه، فقُتِلَ الاسخريوطي على يدِ مجموعة صغيرة من المختصين في تنفيذ الاعدامات.

بعد ان انزلوه من الخشبة قبل مغيب الشمس، حملوه الى ضريح مؤقت. وهم في طريقهم الى الضريح، اتى قائد المجموعة التي قبضت عليه، وهو ايضا المسئول عن اعدامه، اتى ليتأكد ان عملية الاعدام تمت كما هو مقرر. كشفوا عن وجهه ليُطمئنوه ان كل شيئ سار على ما يُرام. نظر القائد الى القتيل فوجد انه الشخص الذي اتاه في المكتب ليدله على يسوع! اندهش مما تراه عيناه. انه يهوذا الاسخريوطي. ماذا فعلتم لعنكم الله؟ فاخبروه بالتفاصيل، من ساعة القبض عليه، والضربة التي افقدته عقله، الى ان تم اعدامه.

بما ان الاحداث سارت بشكلٍ طبيعي، لم يفترض احدٌ المعجزة، وانما حدوث الخطأ. القائد الان هو الذي يتحمل كامل المسئولية عن الاهمال الذي تسبب في هذا الخطأ القاتل. قال لحاملي الجثة: اذا انكشف الامر على حقيقته فسوف تلحقني العقوبة وتلحقكم ايضا، وسيصبحُ مستقبلنا في مهب الريح، وقد علمتُ ان يهوذا الاسخريوطي استلم حقلا من كهنة المعبد مكافئة له مقابل تسليم يسوع، لنأخذ جثتة الان ونلقيها في حقله، ولا تفتحوا افواهكم بكلمة واحدة لأحد.

لم يضعوا جثة الاسخريوطي في قبر يسوع لاعتقادهم انه لا يزال حرا طليقا، وان ظهر في اي لحظة سيظن الناس انه صنعَ معجزةً جعلتهم يقتلون عدوه بدلا منه، بما سيؤدي الى فتنةٍ يَصعبُ احتوائها.، وهكذا حدثت الشبهة في قتل يسوع فقتلوا عدوه بدلا منه، ولا يحيقُ المكرُ السيئُ إلا بأهله.

ما تم عرضه في الفقرات السابقة هو مجرد افتراض مُحتمل، ولكن من يستبعد وقوع الخطأ، ها هو سيناريو الخطأ موجود، ومبني على اقوالٍ صدرت من المسيح نفسه، ستطلبونني ولا تجدونني. كيف يمكن ان يطلبوه ولا يجدوه ثم هم يعلنون القبض عليه وقتله؟ لا يمكن ان يصح هذا الا اذا حدث خطأٌ وإلتباسٌ في هوية المقتول.

 

3) صلب يسوع: قصة خيالية مبنية على المزمور 22 و أشعيا 53

الذين كتبوا الاناجيل أشخاص مجاهيل لا أحد يعرف حقيقة علاقتهم بتلاميذ المسيح. كانوا يضعون اسماء التلاميذ أو رفقائهم على الاناجيل كوسيلة للترويج للكتاب. فمثلا يقال ان انجيل مرقس كتبه مرقس رفيق بطرس الذي جاء ذكره في رسالة بطرس الاولى: "تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني" (5: 13). وجاء اسم مرقس في كتاب الاعمال، ومرقس آخر في رسائل بولس. وليس معلوما ان كان هؤلاء المراقس هم نفس الشخص أم لا.

بالاضافة لذلك فإن كاتب الانجيل لم يضع على الكتاب اسم المؤلف، وتمت نسبته الى مرقس في القرن الثاني الميلادي. فإذا ما تحدثنا عن مرقس، لأن الكتاب فقط يحمل اسمه، وإلا فإن المؤلف ليس معروفا قطعا.

بالنسبة لقصة الصلب الموجودة في الاناجيل فإن أول من كتبها هو مؤلف الإنجيل الذي يحمل اسم مرقس الآن، وهو أول الاناجيل الاربعة تدوينا. كتبها مرقس في روما بعد اربعين سنة تقريبا من موت يسوع، ثم نقلها عنه الآخرون بعد فترة من الزمن تتراوح ما بين 10 الى 30 سنة على أقل تقدير.

انجيل مرقس --  "تاريخ ومكان كتابته: أجمع الدارسون على أن إنجيل مار مرقس هو أقدم ما كُتِبَ في الأناجيل، بل وحسبه كثير من الدارسين المصدر الرئيسي الذي استقى منه الإنجيليان متى ولوقا في كتابتهما إنجيليهما.. يرى القديس إيريناؤس أنه كُتب بعد استشهاد القديسين بطرس وبولس.. وقد اتجه غالبيّة الدارسين إلى القول بأنه كتب ما بين عام 65 م. وعام 70 م. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه كُتِبَ في مصر، بينما نادى البعض بأنه كُتِبَ في روما."
تفسير الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص تادرس يعقوب ملطي - تفسير إنجيل مرقس - المقدمة
https://st-takla.org/...


مرقس وضع الخطوط الرئيسية للاناجيل التي كُتبت من بعده. بدت قصة الصلب في انجيله ركيكة بعض الشيئ، ولكنها ظهرت بشكل أفضل في الاناجيل التي تلته. وهو أمر طبيعي ان يكون الاصدار الثاني أفضل من الاول، والثالث أفضل من الثاني. لذا كانت القصة في يوحنا، وهو آخر الاناجيل الاربعة، أفضل من الجميع. وجميع الكتبة لا يتحرجون من الكذب والتزوير، ربما عملا بقول بولس: "إن كان صدق الله قد ازداد «بكذبي» لمجده، فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ؟" (رسالة روما 3: 7)، هذه الجملة تظهر انه كان في ذلك الزمن من يتهم بولس بالكذب، وهو لا ينفي التهمة، وانما يبررها، والغاية تبرر الوسيلة.

لا يوجد على الاطلاق ما يشير الى حدوث أي شيئ من قصة الصلب في أي مادة مكتوبة قبل مرقس. لا في رسائل العهد الجديد، ولا في روايات كتاب الاعمال، ولا من خارج العهد الجديد، ولا حتى في كتب اليهود ورواياتهم.

يستشهد بعض المسيحيين بكتابات مؤرخين متأخرين من القرن الثاني الميلادي، عاشوا في زمن كانت فيه المسيحية منتشرة، وقصة الصلب هي القصة المعتمدة. هؤلاء لم يروا المسيح ولم يسمعوا عنه الا من اتباعه. وليس لهم مصدر عن المسيح سوى اتباعه فقط. فكانوا يسألون اتباعه فيخبرونهم انه مات مصوبا، فيكتبون ما يسمعون منهم. فهل هذا شهادات معتبرة؟

قيل ان المؤرخ اليهودي يوسيفوس قد كتب عن حادثة الصلب ونبذة عن المسيح. اجمع اغلب المؤرخين على مدى المائتين سنة الماضية على انه لم ترد كلمة واحدة في تاريخ يوسفس عن يسوع ولا عن صلبه. وما هو موجود في كتابه الان اضافة مسيحية متأخرة دست في الكتاب في القرن الخامس الميلادي.
http://www.truthbeknown.com/...

توجد دراسة بعنوان «رواية معاناة المسيح قبل مرقس»، (pre-markan passion narrative). هدف البحث هو ايجاد كتابات سبقت مرقس، تصور يسوع بالطريقة التي صورها مرقس، والطريقة التي مات عليها. جميع المحاولات التي أجريت في هذا الموضوع باءت بالفشل. لا يوجد شيئ في هذا الشأن على الاطلاق.

كل البحوث التي اجريت في سجلات الامبراطورية الرومانية عن شخص مصلوب باسم يسوع، أو حتى التهمة التي ذكرتها الاناجيل، جاءت نتيجتها صفر. لا يوجد أي سجل من هذا النوع.

إقتباس: "بسبب ان هذه الاساطير هي اول المراجع لدينا عن موت يسوع بطريقة الصلب، ولأن قصة مرقس تعتمد على اسطورة الشهيد في الـ كيريگما (kerygma) [التبشير بالانجيل]، فإننا في الحقيقة ليست لدينا وسيلة لمعرفة الظروف التاريخية التي أحاطت بموت يسوع. لا توجد اشارة الى موت يسوع بطريقة الصلب في أي مادة عن يسوع سبقت مرقس."
(بَرتون ماك: باحث ومؤلف في التاريخ المسيحي وكتب العهد الجديد -- كتاب: مَن كَتبَ العهد الجديد، صناعة الخرافة المسيحية، ص 87).

"since these myths are the first references we have to the death of Jesus as a crucufixion, and since Mark's story is dependent upon the martyr myth in the kerygma, we really have no way of knowing anything about the historical circumstances of Jesus' death. There is no reference to Jesus' death as a crucifixion in the pre-Markan Jesus material." -- (Burton L. Mack, Who Wrote the New Testament, The Making of the Christian Myth, p.87)

وإذا كانت حادثة الصلب لا أساس لها من الصحة، وما هي إلا اسطورة كما وصفها المؤرخ بَرتون في الاقتباس أعلاه، فهذا يعني ان "أعظم" حدث في التاريخ ليس سوى قصة خرافية مثل قصص ألف ليلة وليلة، وقصص السندباد، وما شابه ذلك من قصص الاساطير.

عندما بدأ مرقس في كتابة القصة، لم يكن يدون حدثا تاريخيا، وإنما يكتب تفاصيل القصة على ضوء ما يقرأه من المزمور 22 وأشعيا 53، فيقول:

15: 24 ولما صلبوه اقتسموا ثيابه ((مقترعين)) عليها ماذا ياخذ كل واحد {وفي المزمور: "وعلى لباسي ((يقترعون))" - مزمور 22: 18}
15: 25 وكانت الساعة الثالثة فصلبوه
15: 27 وصلبوا معه ((لصين)) واحد عن يمينه و اخر عن يساره
15: 28 فتم الكتاب القائل ((واحصي مع اثمة)) [أي مع اللصين] {"واحصي مع أثمة" - اشعيا 53: 12}
15: 31 وكذلك رؤساء الكهنة وهم ((مستهزئون)) فيما بينهم مع الكتبة... {وفي المزمور: " كلّ الّذين يرونني ((يستهزئون)) بي - مزمور 22: 7}
15: 34 وفي السّاعة التّاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: إلوي إلوي لما شبقتني؟ الّذي تفسيره: ((إلهي إلهي لماذا تركتني)) -- {"وفي المزمور: ((إلهي إلهي لماذا تركتني)) - مزمور 22: 1}

من الملاحظ في المحاكمة المزعومة ان يسوع كان صامتا طوال الوقت. كانوا يضربونه ويبصقون على وجهه ويضعون الشوك على رأسه وهو ساكت لا يرد. في الباب 15 من انجيل مرقس ، لم ينطق يسوع الا بكلمتين:

15: 2 فساله بيلاطس انت ملك اليهود فاجاب و قال له ((انت تقول))
15: 3 و كان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيرا
15: 4 فساله بيلاطس ايضا قائلا اما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك
15: 5 ((فلم يجب يسوع ايضا بشيء)) حتى تعجب بيلاطس

ربما تسأل ، لماذا هو ساكت لا يتكلم؟

انظر الكتاب وستعرف السبب: "ظلم أمّا هو فتذلّل ((ولم يفتح فاه)) كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازّيها ((فلم يفتح فاه))" (اشعيا 53: 7)

نبؤة طبعا!

ومع ذلك هو فتح فاه وقال كلمتين: "انت تقول" -- أو ربما أضافهما الناسخ لأنه لم يكن يعلم ان مرقس اراد من سكوته تحقيق "نبؤه".

وهكذا كان مرقس يقرأ من العهد القديم ثم يكتب قصة الصلب على ما يناسب آيات المزمور 22، وأشعيا 53، لكي يوهم المتلقي ان مقتل يسوع كان فيه تحقيق نبؤة! هذا هو "التاريخ" الذي سجله مرقص. مبني جملة وتفصيلا على نصوص من العهد القديم، وليس على واقع وأحداث تاريخيه.

زعم مرقس ان يسوع صرخ وقال: "إلوي إلوي لما شبقتني؟" ثم فسرها "إلهي إلهي لماذا تركتني". إذا كان قصده ايصال الحقيقه، إمّا ان يُبقي العبارة كما هي، أو ان يكتفي فقط بالترجمه، كما اكتفى بها في بقية الاقوال التي نسبها ليسوع، ولا يوجد سبب لكلاهما. القصد هو الاثارة فقط. والترجمة بالنسبة لمرقس أهم من "شبقتني"، لأن فيها تحقيق "نبؤه." فعندما تقرأ "إلهي إلهي..."، وقد سبق لك واطلعت على المزمور 22، على طول ستربط هذا المقطع بتلك الآية من المزمور. أمّا شبقتني فلن تعني لك شيئ، وستحتاج الى فك اللغز.

هذه النبؤات المزعومة مكانها الحقيقي هو في نفس سلة المهملات التي ذهب اليها يوسف الذي من الرامه (المشير) بعد ان تضارب مرقس في روايته عنه مع رواية بولس في مسألة وضع يسوع في الضريح.

ويقول عن حامل الصليب: "فسخّروا رجلا مجتازا كان آتيا من الحقل وهو سمعان القيرواني، أبو ألكسندرس و روفَسْ، ليحمل صليبه" (مرقس 15: 21) -- سمعان القيرواني أبو ألكسندرس وروفَس! مرقس بهذه الطريقة يُعرّف القيرواني. يعني اذا ما عرفت من هو سمعان القيرواني، فهو ابو الكسندرس و روفَس. لعلك عرفته الان؟ شمعون اسم يهودي. الكسندرس اغريقي. روفس روماني.. بعد ذلك قام المسيحيون ونسجوا الاساطير حول هذه الشخصيات الوهمية، فقالوا ان شمعون وابناءه آمنوا بيسوع. فأما شمعون فمات شهيدا بالصلب، وفي رواية أخرى، قُطع بمنشار من الوسط. وأمّا ألكسندرس و روفس فأصبحوا مبشرين.

وقال عن الموقع الذي صلب فيه يسوع ان اسمه "جلجثه" وتفسيره "جمجمه". وايضا لا يوجد سبب في تفسير موقع واحد دون سائر المواقع! كما انه لا يوجد في فلسطين كلها موقع بهذا الاسم، لا جلجثه ولا جمجمه. ولعله قصد بهذه التسمية جمجمة رأسه، ليقول للمتلقي ان ما اكتبه تدور احداثه في رأسي، في جمجمتي، من تأليفي، لا اساس له من الصحه!
 

مغارة صنعها المسيحيون في القدس في منتصف القرن الثالث تماثل تصوراتهم عن مغارة قبر يسوع الذي ذكره مرقس (المصدر)

أخطأ مرقس عندما كتب ان يوسف الذي من الرامة أغلق القبر بحجر عظيم جدا عندما وضع فيه يسوع (مرقس 15: 46 ، 16: 4). لم يكن من عادة اليهود ان يغلقوا القبر مباشرة على الميت، خشية ان يدفنوا شخصا وهو لا يزال حيا، "كان من المعتاد أثناء الايام الثلاثة الاولى ان يزور الاقرباء القبر ليروا ما إذا عاد الميت الى الحياة" (الموسوعة اليهودية). فإذا تم اغلاقه بحجر كبير فكيف يقدرون ان يعرفوا حالة الشخص الموجود بداخله؟ ازاحة الحجر في كل مرة يأتون لمعاينة الميت عملية صعبة جدا.. بالنسبة ليسوع، لم يأتي احد لمعاينته، لأن تلاميذه كانوا مختبئين في بيوتهم خوفا من اليهود.. في اليوم الثالث اتى من يغلق القبر، فوجده فارغا، وهنا ظهرت اشاعة القيامة في اليوم الثالث. قال خصومه من اليهود ان تلاميذه سرقوا الجثة، وقال التلاميذ انه قام، ولم يعلم الفريقين ان القبر كان فارغا من الاول، لم يوضع فيه احد. ما الذي حدث بالضبط؟ وكيف نجى من الاعدام؟ مهما حاولنا التخمين، هذا الشيئ لا يزال لغزا.
 

مرقس كتب انجيله بعد ثورة اليهود على الرومان ودمار الهيكل. وفي وقت الحروب والكوارث تضيع الحقيقه. ومن سيذهب الى فلسطين بعد أن حل بها الدمار وتشرد سكانها ليتحقق من قصة مرقس؟ ناهيك عن بعد المسافة بين روما وفلسطين.

لم تكن قصة الصلب هي القصة الوحيدة التي يعتمد مرقس في تأليفها على نصوص من العهد القديم، ولكن توجد غيرها من القصص والمواقف. فمثلا كتب مرقس ان يسوع عندما دخل أورشليم طلب من اتباعه ان يحضروا له جحش، فذهبوا وأحضروا له الجحش الذي طلب، ووضعوا عليه ثيابا ثم جلس عليه يسوع ودخل به أورشليم (مرقس، الباب 11). ما اراد مرقس تحقيقه من خلال هذا المشهد هو الاية (9:9) من سفر زكريا: "ابتهجي جدّا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" - تقول الاية ان ملك أورشليم سيدخلها راكب على حمار، وليس أي حمار وإنما جحش. ولنفترض انني ركبت حمار ودخلت به اورشليم، فهل سأصبح ملكا على إسرائيل؟ ما قصده النص هو ان الملك سيأتي راكبا على حمار، وليس كل من يركب حمار يصبح ملك! وشتان بين نبؤة تتحقق بشكل طبيعي وتلقائي، وأخرى تتحقق بشكل مصطنع. وطبعا لم ينسى مرقس ان يختلق مسيرات فرح وابتهاج بقدوم يسوع، لأن النص يقول  "ابتهجي جدّا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم." ثم لا يخبرنا أين ذهبت تلك الجماهير الغفيره والحشود الهائله التي استقبلت يسوع، وفرشت له ثيابها على الطريق؟  فص ملح وداب! ولماذا تركته يواجه مصيره وحده دون أن تحرك ساكنا؟ وعلى هذا المنوال كان مرقس يسجل "تاريخ" يسوع على ضوء ما يقرأ من كتب العهد القديم.

سوف نعود لاحقا الى مسألة الغش والتزوير في الاناجيل في باب منفصل، وايضا الى قصة مرقس في فصل آخر بعنوان: مصادر قصة مرقس.

 

4) من هو باراباس (أو بالاصح "يسوع" باراباس)؟


اليهود يحتفلون بالافراج عن يسوع باراباس

عندما كان يسوع في محكمة بيلاطس، زعم مرقس ان بيلاطس خير اليهود بين أن يُطلق لهم يسوع أو باراباس. وقال انه كان يُطلق لهم في كل عيد سجينا واحدا. وطبعا لايوجد في سجلات الامبراطورية الرومانية كلها ما يثبت ان الرومان كانوا يطلقون سجينا كل عيد.

وهل هي صدفة ان يكون اسم هذا الشخص باراباس؟

باراباس = بار-أبّا (bar-abba)

الاغريق يضيفون حرف السين في آخر الاسم، فأصبح الاسم "بارابّاس"، على وزن يهوداس وبرناباس، بينما اسمائهم الاصلية: يهودا وبرنابا.

«بار-أبّا» تعني «ابن الاب» في اللغة الارامية، والرابط التالي من ويكيبيديا فيه نفس المعلومة عن معنى اسم بارابّاس:
http://en.wikipedia.org/...

يسوع المسيح أيضا «ابن الاب» !

توضيح:

كلمة ابن: النص  من سفر االاعمال (13 : 6) يتحدث عن ساحر اسمه «بار يشوع» ، كلمة «بار» تعني «ابن» (قاموس الملك جيمس).

كلمة اب: "وَقَالَ [يسوع] : يَا « أَبَا » الاب، كُلُّ شيءٍ مُسْتَطَاعٌ لك..." (مرقس 14: 36)
"And He said, Abba, Father, all things are possible to You"

مرقس في النص اعلاه كتب "أبّا" ثم اتبعها بكلمة "الاب".. الكلمتين لهما نفس المعنى.

«الاب» ترجمة للكلمة الارامية «أبّا» (قاموس الملك جيمس).

بما يعني ان «يسوع باراباس» هو في الحقيقة ترجمة ارامية لإسم «يسوع ابن الأب» !

وعلى وزن جلجثه تعني جمجمه، وشبقتني تعني تركتني، كذلك باراباس تعني «ابن الاب» !

يبدو ان مرقس في النسخة الاصلية من انجيله كَتب الاسم «يسوع باراباس»، فلم يستسغه النساخ من بعده، فقاموا بحذف الاسم الاول. وعباراته تدل على ان الاسم المدون في انجيله "الاصلي" كان «يسوع باراباس»، فنجد في الانجيل: "وكان «المسمّى» باراباس موثقا مع رفقائه..." (مرقس 15: 7). حذف الناسخ اسم يسوع ووضع بدلا منه "المسمى"، اللي مايتسماش!

هذه الاناجيل الاربعة لم تكن مجموعة مع بعض منذ البداية. نقلوا القصة عن مرقس ولكنهم أضافوا وانقصوا وبدلوا فيها بعض الاشياء الثانوية، بقصد تلميع النص أو الاثارة. والظاهر ان متىّ قد حصل على النسخة الاصلية من انجيل مرقس. فكتبها "يسوع باراباس"، فحذفها النساخ مرة أخرى. ولكن يبدو انه توجد مخطوطة قديمة لايزال فيها هذا اللفظ، نقلته الترجمة الانجليزية (New Revised Standard Version):

"كان لديهم في ذلك الوقت سجينا مشهورا يدعى «يسوع باراباس». وبينما هم مجتمعون، قال لهم بيلاطس، من تريدون ان اطلق لكم، «يسوع باراباس» أو يسوع الذي يدعى «المسيح»" (متى 27: 16 - 17).

"At that time they had a notorious prisoner, called Jesus Barabbas. So after they had gathered, Pilate said to them, "Whom do you want me to release for you, Jesus Barabbas or Jesus who is called the Messiah?" (Mat. 27:16 - 27:16)
New Revised Standard Version
http://bibliar.com/...

وقد سبق ورأينا ان «بار-ابا» يعني «ابن الاب». ويسوع المسيح أيضا «ابن الاب».

لاحظ قوله: "من تريدون ان اطلق لكم، «يسوع باراباس» أو يسوع الذي يدعى «المسيح»"، أي ان احدهما يُدعى "المسيح" والاخر لا يدعى "المسيح"، والا فإن الاسمين متطابقين، ولولا العنوان لما عرفنا أي «يسوع باراباس» هو المقصود.

بما يعني ان بيلاطس يخير اليهود بين ان يطلق لهم «يسوع ابن الاب» أو بالآراميه: «يسوع ابن الاب»!

شي عادي... صح؟

عادة ما يقوم المؤرخون والاعلاميون بالتركيز على الاشياء غير المؤلوفه أكثر من غيرها. لذا يقال: اذا الكلب عض انسانا فليس بخبر، ولكن اذا الانسان عض كلبا فهذا خبر. فكان المفترض من مرقس ان يقف على اسم يسوع باراباس ويخبرنا شيئا عنه، ولو جملة واحده، أو ان يفسره على الاقل مثلما فسر جلجثه وشبقتني.  أمّا ان يمر عليه مر الكرام، فهذا لا يعني سوى ان هذا الاسم من اختراعه، مثلما اخترع المشير يوسف، وشمعون القيرواني أبو الكسندرس وروفَس.. ربما قصد به استهبال القارئ، أو أنه راى نصا في العهد القديم وأراد به تحقيق "نبؤه".

وطبعا لا يمكن الافتراض ان مرقس لم يكن يعرف معنى الاسم، لأنه اثبت معرفته بالآراميه عندما ترجم شبقتني وجلجثه.

 

5) عالم سويدي: يسوع لم يصلب!

مشكلة أخرى تواجه قصة الصلب تم اكتشفها في العصر الحديث هي الصلب بالمسامير. يصرح كاتب انجيل يوحنا ان تلاميذ يسوع شاهدوا اثر المسامير في يديه، وهذه كارثة تاريخية، لأن الصلب بالمسامير لم يستخدمه الرومان الا بعد سنة سبعين ميلادي، وكانوا في السابق يقومون بضرب المدان ضربا مبرحا الى ان يتقطع جسده ثم يعلقوه وهو بين الحياة والموت، ويتركوه معلقا لتأكله الطيور.

المصطلحات الاغريقية التي استخدمها بولس في رسائله في وصف حالة يسوع، وتترجم الان بما تعني الصلب، هذه المصطلحات لا تعني الصلب بالمسمار في الزمن الذي عاش فيه بولس.. الاسم  ستاوروس "stauros" والفعل ستاورو "stauroo" ويعني التعليق، وبغض النظر سواءا كان معلقا من يديه أو رجليه أو من رقبته.

فإذا كان المصطلح يعني التعليق فقط، فهذا ما كان يفعله اليهود. بعد أن يقوموا برجم المدان حتى الموت، يعلقوه على خشبة من يديه وهو ميت الى قبل مغيب الشمس.

عالم وباحث في الادب القديم والاديان من جامعة سويدية يدعى گانار صامويلسون (Gunnar Samuelsson) قام ببحث في المصطلحات الاغريقية القديمة وكيفية استخدامها في تلك الازمنة، وتوصل الى ان مصطلح (stauros) لا يعني الصلب في الزمن الذي عاش فيه يسوع، وإنما التعليق فقط.

هل مات يسوع على صليب؟
Did Jesus die on a cross?
http://www.examiner.com/...
"احدى اهم النقاط التي اشار اليها صامويلسون في بحثه هي هذه: جاء في الادب القديم استخدام كلمة ستاوروس (stauros) لتعني تعليق الفواكه وذبائح الحيوانات بقصد التجفيف. ومن السخف التفكير في انهم كانوا يصلبون الفاكهة." "One of the most telling points in Samuelsson's research is this: he points out that in the ancient literature, the word stauros is used with reference to hanging fruit or animal carcasses up to dry. It's rather silly to think of fruit being crucified."


ونقرأ عن بحثه في صفحة أخرى:

عالم سويدي: يسوع لم يصلب
Swedish scholar: Jesus was not crucified
http://www.thelocal.se/...
"اذا كنت تبحث عن نصوص تصور مسمرة اشخاص على الصلبان فلن تجد شيئا بجانب الاناجيل." "If you are looking for texts that depict the act of nailing persons to a cross you will not find any beside the Gospels."

 

6) من كتاب الاعمال: مثبت على الارض ومقتول على الارض ثم معلق على خشبه

بداية نضع تسائل منطقي: هل يعقل ان يعلم الغريب المجهول المتأخر أكثر ممن عاصر الحدث في زمنه وكان جزءا منه؟

ثانيا: يُفترض ان الذي كتب كتاب الاعمال هو لوقا كاتب الانجيل. بُني هذا الافتراض على ما جاء في بداية الكتابين. فيقول كاتب الانجيل "أكتب إليك يا ثاوفيلس". قيل ان ثاوفيلس مسؤول روماني. وفي كتاب الاعمال، يبدأ الكاتب بقوله: "الكلام الاول أنشأته يا ثاوفيلس". فافترضوا انه نفس المؤلف يخاطب نفس الشخص. ولكن هذا ليس ضروري. ما يدريك ان الكاتب لا يضحك عليك، بقصد ان يعطيك الانطباع انه نفس المؤلف؟

القصد من هذه المقدمه هو اننا عندما نقول ان يسوع رُجم، ليس لأن روايات كتاب الاعمال تدل على رجمه، وإنما هو افتراض مبدئي مبني على اساس ان عقوبته الرجم وليس الصلب الروماني. ثم نبحث عن شواهد تؤيد هذه الفرضيه. هذه الشواهد يمكن ان نجدها في كتاب الاعمال أو الاناجيل أو الرسائل. ولا علاقة لهذه المسألة في ترجيح كتاب على غيره. فمثلا تجد الضابط الجنائي يحقق مع متهم. ويستمر المتهم في الكذب والدجل ساعات وساعات. ثم تطلع منه زلة لسان تدينه. وهنا نحن نبحث عن الزلات التي لم يأخذ المؤلف باله منها عندما كان يجمع الروايات ويدونها.

رأينا فيما سبق ان الرجم عند اليهود يتكون من عدة مراحل:

1. دفع المدان من على منصة طول قامته مرتين (الاحتمال ضعيف جدا ان يموت بهذه الطريقه)
2. تثبيته على الارض وإلقاء صخرة ثقيلة على صدره
3. رجم المحكوم بالحجاره
4. تعليقه على خشبة بعد موته

سوف نرى في هذا الباب شواهد من كتاب الاعمال تدل على ان يسوع مر بهذه المراحل اثناء موته.

جاء عن بطرس في كتاب الاعمال: "هذا أخذتموه مسلّما بمشورة الله المحتومة وعلمه السّابق وبأيدي أثمة «صلبتموه» وقتلتموه" (اعمال 2: 23).

المصطلح المترجم "صلبتموه" لا يعني الصلب ابدا. الكلمة الاغريقية "prospegnumi" تعني التثبيت، لتكون العبارة: "ثبتموه وقتلتموه"، خطوتين، الاولى تثبيت، ثم بعد التثبيت جاء القتل.

معنى الكلمة الاغريقية من احد قواميس الكتاب المقدس:

prospegnumi Original Word:   
προσπήγνυμι Greek:
to fasten Definition:
https://bibleapps.com/...

ليس لها سوى تعريف واحد فقط لا غير، (to fasten)، ومعناه: يُثبّت، يربط ، يُوثق. ومع ذلك يترجمونها لتعني الصلب!

الكلمة الاغريقية (prospegnumi)  تنقسم الى جزئين (pros-pegnumi)،
البادئة (pros) حرف جر ولها المعاني التالية:

  1. الى (to)
  2. في (at)
  3. بجانب (near)
  4. لصالح (to the advantage of)
  5. باتجاه (towards)
  6. بالنسبة لـ (with regard to)
  7. بواسطة (by)
  8. حرف الجر "ب" (with)
وردت هذه الكلمة (pros) في العهد الجديد 700 مرة تقريبا، والمترجم يختار المعنى المناسب.
المعاني في القائمة اعلاه من (قاموس الملك جيمس، Thayers Definition).

الكلمة بدون البادئة هي (pegnumi)، وقد وردت في رسالة العبرانيين (8: 2) لتعني تثبيت مسكن، وهنا تعريفها.. يترجمونها الى العربية بكلمة (نَصَبَ)، "المسكن الحقيقي الذي نَصبهُ الرب، وليس انسان"، هذه الصيغة تدل على ان المسكن المقصود هو في الحقيقة خيمة منصوبة.. بعض التراجم الاجنبية تكتب خيمة (tent) بدل المسكن، لتصبح العبارة: "الخيمة الحقيقية التي نصبها الرب".

"the true tent set up by the Lord"
International Standard Version (ISV)

الخيمة تُثبّتُ على سطح الارض بأوتاد، وعلى هذا المعنى، يبدو ان الشخص المرجوم (يهوذا الاسخريوطي) ثبتوه بأربعة اوتاد، اثنان لليدين واثنان للرجلين، وهو ملقي على ظهره، يداه ورجلاه مربوطتان في الاوتاد بحبال.

موقع كنسي يؤكد ان الكلمة في كتاب الاعمال، التي تُترجم الى مصلوب، هي نفسها الموجودة في رسالة العبرانيين:

"كلمة "مصلوب" في أعمال الرسل 2: 23 هي نفس كلمة "نَصَبَ" في عبرانيين 8: 2."
"The word "crucified" in Acts 2:23 is the same word as "pitched" in Hebrews 8:2."
https://cbcdundalk.org/...

النتيجة: كلمة الصلب في (اعمال الرسل 2: 23) "صلبتموه وقتلتموه" لا تعني الصلب، وانما التثبيت فقط، "ثبتموه وقتلتموه". وان اخذنا البادئة (pros) لتعني (الى)، ستكون العبارة كالتالي: اخذتموه . . . الى التثبيت وقتلتموه.


وقفة أخرى مع بطرس: "ونحن شهود بكلّ ما فعل في كورة اليهوديّة وفي أورشليم. الّذي أيضا قتلوه معلّقين إيّاه على خشبة" (اعمال 10: 39).

لا حظ الترجمة في قوله "قتلوه معلقين إياه"، وفي بعض التراجم الاجنبية يكتبونها كالتالي:
(they killed him by hanging him on a tree)
هذه الصيغة تعطي الانطباع ان القتل جاء نتيجة التعليق. ولكن ليس كل التراجم تكتبها على هذا النحو. فنجد مثلا في نسخة الملك جيمس (KJV) ان الالفاظ اختلفت بعض الشيء، فيقول: "قتلوه وعلقوه على خشبه"

"they slew and hanged on a tree" (Acts 10:39, KJV)

اختلاف اللفظ طفيف، واختلاف المعنى شاسع. في الصيغة الثانية نجد ان القتل حصل "قبل" التعليق وليس نتيجة له، بينما في الصيغة الاولى حصل القتل نتيجة التعليق!

نسخة ويبستر (The Webster Bible) ايضا تكتب النص باستخدام حرف الولو (and)، قتلوه وعلقوه. كان الهدف من «وبستر» تصحيح الاخطاء اللغوية التي وقعت فيها نسخة الملك جيمس (KJV)، فغيروا أشياء كثيرة، ولكنهم لم يغيروا النصوص قيد النقاش هنا. ويبستر مختصين ومتمرسين في اللغة الانجليزية، وقواميسهم اللغوية متصدرة قواميس اللغة حول العالم، وبما انهم اقروا المكتوب في نسخة الملك جيمس، فهذا يعني ان الترجمة صحيحة، وان النص المتضمن حرف الواو (and) هو الأنسب لمفردات الكلام في النص الاغريقي الاصلي، والذين استخدموا (by)، "معلقين اياه"، (by hanging him) ، هؤلاء تلاعبوا بالترجمة لتتفق مع معتقداتهم.

وبإضافة ما جاء في هذا النص: قتلوه وعلقوه، الى ما جاء في النص الذي قبله: ثبتوه وقتلوه، نجد ان القتل حدث في الوسط، بين التثبيت والتعليق، كالتالي: ثبتوه، قتلوه، علقوه.
 


بطرس مرة أخرى: "فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أنّ الله جعل يسوع هذا الّذي صلبتموه [stauroo] أنتم ربّا ومسيحا" (أعمال 2: 36). تم ترجمة الفعل ستاورو في هذا النص الى الصلب.

ويقول في نص آخر، نسخة الملك جيمس (KJV): "إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه وعلقتموه [kremannumi] على خشبة" (أعمال 5: 30). المصطلح الاغريقي هنا كريمانومي، ويترجم الى "التعليق" حتى في كتب العهد الجديد المتداولة حاليا!

النص باللغة الانجليزيه (KJV) : "whom you killed and hanged on a tree"

خطوتين بالتسلسل: الاولى قتل، والثانية تعليق. وهذا نص ثاني يكرر فيه بطرس نفس الترتيب: قتلوه وعلقوه على خشبة.

المترجم الاغريقي الاصلي الذي ترجم قول بطرس استخدم المصطلحين بشكل متبادل (stauroo, kremannumi). بما يعني ان الفعل ستاورو، الذي يترجم الان بما يعني الصلب، كان يعني التعليق بعد القتل في مفهوم بطرس (قتلوه وعلقوه).
 

يقول بولس عن اليهود: "ومع انهم لم يجدوا اساسا لموته، طلبوا من بيلاطس ان يُقتل. وبعد ان تمموا كل الذي كتب عنه، انزلوه من الخشبه ووضعوه في ضريح" (أعمال 13: 29).

العبارة "ان يُقتل" في الشطر الاول من النص اعلاه مبنية للمجهول، ولكن الشطر الثاني يوضح من الذي نفذ عملية القتل.. "وبعد ان تمموا كل الذي كتب عنه"، أي بعد ان اتموا "النبؤات" المكتوبه عنه، الا وهي القتل، "انزلوه من الخشبه ووضعوه في ضريح"، نفس الفصيل الذي قتله، هو نفسه الذي انزله من الخشبة ووضعه في ضريح.

الاعدام عقوبة كبرى، ولكل دولة قوانينها، والظاهر ان حالة يسوع تستدعي موافقة الحاكم المحلي، وهاذا ما حصل.. اخذوا الموافقة من بيلاطس ثم نفذوا فيه عقوبة الاعدام.

ولنفترض ان مرقس لم يكتب قصة الصلب، وليس لدينا معلومات عن مقتل يسوع سوى الموجودة في كتاب الاعمال فقط، فماذا نستنتج؟ الصلب الروماني أو الرجم والتعليق؟ ومن سنفترض قاتليه؟ اليهود أو الرومان؟

 

7) مصطلح الصلب في النسخة السبعينية

من المعلوم قطعا ان بولس كان يستخدم النسخة السبعينية في اقتباساته -- النسخة السبعينية هي الترجمة اليونانية للعهد القديم التي أجريت ما بين القرن الثالث والثاني قبل الميلاد. ويقال أنه بسبب عدد اليهود الذين لايعرفون العبرية، قام اثنان وسبعون من الأحبار اليهود بترجمة اسفار العهد القديم. ويُرمز لها بعددها اللاتيني LXX أي سبعون، ومن هنا جاءت التسمية السبعينية.

اقتباس: "ربما كان الرسول بولس يعرف النص العبري، ولكن اقتباساته من كتب العهد القديم تأتي من النسخة الاغريقية السبعينية."
"The Apostle Paul may have known the Hebrew text, but his Old Testament references come from the Greek version - the Septuagint"
http://orthodoxnorth.net/...

وقد جاء الفعل الاغريقي ستاورو (stauroo) مرة واحدة في النسخة الاغريقية السبعينية ليعني معلق في مشنقة.

اقتباس:

New Testament Greek to Hebrew Dictionary - by: Jeff A. Benner
http://www.ancient-hebrew.org/...
"توجد كلمات قليلة في العهد الجديد لا وجود لها، أو قلما توجد، في النسخة الاغريقية السبعينة. ومثال جيد على ذلك هو كلمة (stauroo)، وتترجم في العهد الجديد الى «الصلب»، ولكنها موجودة مرة واحدة في النسخة السبعينية، في كتاب أستير، الاية 7: 9 ، واستخدمت لترجمة الكلمة العبرية "تالاه"، وعادة تترجم للانجليزية الى «عُلق»" There are a few Greek words in the New Testament that are not found, or are rarely found, in the Greek of the Septuagint. A good example of this is the Greek word (stauroo, Strong's Grk. #4717), which in the New Testament is translated as "crucify," but is only found once in the Septuagint, Esther 7:9, where it is used for the translation of the Hebrew word תלה (talah, Strong's Heb. #8518), usually translated into English as "hang"

الحدث الذي يتحدث عنه سفر استير حصل في بابل. والحكم بابلي لا يدخل في خانة احكام الشريعة اليهودية، ولكن المصطلح الذي يترجم الان الى الصلب، جاء استخدامه في السبعينية بما يعني التعليق في مشنقه.

لنرى أولا النسخة العربية من كتاب استير:

7: 9 فقال حربونا واحد من الخصيان الّذين بين يدي الملك: هوذا الخشبة أيضا الّتي عملها هامان لمردخاي الّذي تكلّم بالخير نحو الملك قائمة في بيت هامان ارتفاعها خمسون ذراعا. فقال الملك: «اصلبوه» عليها.
7: 10 «فصلبوا» هامان على الخشبة الّتي أعدّها لمردخاي. ثمّ سكن غضب الملك.

النسخة العربية هي النسخة الوحيدة التي وجدتها تترجم الفعل هنا بما يعني الصلب. وقد راجعت اكثر من عشر نسخ انجليزية، بما فيها النسخة اليهودية الانجليزية (JPS)، وكلها تقول علقوه. ربما اراد المسيحيون العرب التوفيق بين ماجاء من استخدامات الفعل في كتب العهد الجديد، وبين ما هو موجود في النسخة السبعينية!

الفعل العبري هو نفس الفعل في الاية 9 والاية 10. المترجم الاصلي الذي ترجم النص العبري للنسخة الاغريقية السبعينية استخدم فعلين اغريقيين لترجمة نفس الكلمة العبرية. والان دعنا نرى ما تقوله نسخة الملك جيمس الحديثه:

Modern King James Version
7: 9 وقال حربونا، أحد الخصيان، أمام الملك، أيضا انظر! المشنقة الخشبية طولها خمسين ذراعا التي صنعها هامان لمردخاي، الذي تكلم بالخير للملك، قائمة في بيت هامان. ثم قال الملك، «علقوه» عليها. [الاغريقية: stauroo ، العبرية: تالاه]
7: 10 فعلقوا  [الاغريقية: kremao ، العبرية: تالاه] هامان على المشنقة الخشبية التي هو صنعها لمردخاي. فهدأ غضب الملك.
Est 7:9 And Harbonah, one of the eunuchs, said before the king, Also look! the wooden gallows fifty cubits high which Haman made for Mordecai, who had spoken good for the king, stands in the house of Haman. Then the king said, ((hang him)) on it!
Est 7:10 And they ((hanged)) Haman on the wooden gallows that he had prepared for Mordecai. And the king's wrath lay down.

نفس الفعل العبري بالضبط تمت ترجمته الى الفعل الاغريقي ستاورو ،(stauroo) ، في الاية التاسعة للتعليق في المشنقة الخشبيه (wooden gallows). وفي الاية العاشرة، نفس الفعل العبري بالضبط تمت ترجمته لكلمة اغريقية اخرى: كريماو (kremao). والمعنى بين الكلمتين متبادل ولا فرق على الاطلاق. هذه الكلمة الاغريقية (kremao) من مشتقات المصطلح الاغريقي الذي جاء في النص المترجم عن بطرس (kremannumi).

وعلى هذا المعنى فلا يوجد فرق، ولا قيد انملة، بين ما يقوله النص في الاعلى، وما ذكره بولس في رسائله عن يسوع المعمد (stauroo)، المعلق على عمود خشبي.

وفي هذا دليل على ان بولس كان يعرف بالضبط ماذا يعني الفعل الاغريقي (stauroo)، لأنه يقرأ السبعينية ويقتبس منها. ولو اراد ان يصف حالة يسوع بوصف أكثر مما جاء في السبعينية لذكره. ولكنه لم يزد على المصطلح شيئ. فكيف يمكن الافتراض انه قصد شيئا آخر غير التعليق بعد الرجم الذي عرفه اليهود في شريعتهم؟ ألم يكن يهودي؟

 

8) ألم يكن بولس يعرف المسمار؟

يقول بولس في الرسالة الى كولوسي: "إذ محا الصّكّ الّذي علينا في الفرائض، الّذي كان ضدّا لنا، وقد رفعه من الوسط «مسمّرا» ايّاه بالصّليب [الخشبه]" (كول 2: 14).

في النص اعلاه يقول بولس ان يسوع رفع الناموس من الوسط وضربه بمسمار على الخشبة التي هو معلق عليها. يشير بهذا الى ان الناموس مثبت تثبيت قوي على الخشبة، بمسمار. وهو تشبيه رمزي على أي حال، ولكنه دليل على ان بولس يعرف الفرق بين التعليق والمسمرة على الخشبة، فلماذا لم يذكر المسمرة في نص واحد يصف بها حالة يسوع؟ لماذا يصفه دائما بالمعلق فقط؟

كان اليهود يعتبرون الخشبة التي يُعلق عليها الميت بعد رجمه خشبة نجسة، فيقومون بدفنها بعد إنزال الميت عنها قبل غروب الشمس. وتوضيحا لما قاله بولس، فإن الناموس الذي ضربه يسوع "بمسمار" في الخشبة قد دفن معها.

لقد سبق ورأينا ان مراحل القتل التي تعرض لها يسوع كالتالي:

1) ثبتوه
2) قتلوه
3) علقوه

مراحل القتل على هذا النحو لا يمكن الا ان تكون الرجم.

ومع تقدم الزمن أضيفت معاني جديدة لبعض المصطلحات نظرا للتطبيقات الجديدة التي طرأت عليها. وفي زمن مرقس، بعد اربعين سنة من موت يسوع، بدأ الرومان استخدام المسامير في صلب المدانيين. عندها فقط تم اطلاق المصطلح الاغريقي ستاوروس بما يعني خشبة الصليب، مع احتفاظ المصطلح بمعناه السابق. ولكن صليب المسامير في بدايته كان عمود مستقيم فقط، ثم تطور بعد ذلك فأصبح على شكل (T). ويحتمل ان الصليب الروماني اخذ هذا الشكل الجديد في حدود سنة 100 ميلادي.

وإن كان مصطلحا واحدا قد تم استحداث معنى جديدا له، فإنه توجد مصطلحات أخرى حافظت على معناها القديم ولم تضاف لها معانٍ جديده. وقد رأينا ان مصطلح (kremannumi) يعني التعليق بحبل في مشنقه، ولم يستخدم قط بما يعني الصلب. حتى في كتب العهد الجديد الان يُترجم المصطلح للتعليق فقط. ومن باب رد المجهول بالمعلوم، فلابد من قياس المصطلح (stauros) الذي أضيف له معنى جديد، بالمصطلحات الاخرى التي رادفته، لكي نعرف المقصود بالضبط. فإن كان المصطلح الذي حافظ على معناه يعني فقط التعليق بحبل في مشنقه أو خشبه، فلابد من القول بالضرورة ان المصطلح الآخر كان يعطي نفس المعنى بالضبط في الزمن الذي استخدم فيه. ناهيك ان الابحاث اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان الرومان لم يكونوا يستخدمون المسامير كوسيلة للصلب في الفترة التي عاش فيها يسوع.

 

9) بولس يقول ان في جسده "ندوب" الرب يسوع!

في رسالته لغلاطيه، ينصح بولس اتباعه بأن لا يستمعوا لمن يأمرهم بالختان والعمل بالناموس. ثم يقول متفاخرا على غيره من رسل المسيح، طبقا للنسخة العربية: "في ما بعد لا يجلب أحد عليّ أتعابا، لأنّي حامل في جسدي «سمات» الرّبّ يسوع." (غلاطية 6: 17)

سمات تعني علامات مميزة، وتأتي حسية أو معنوية، الحسي منها ما يشاهد بالعين، والمعنوي هي صفات غير مرئية، كالصدق والكذب والفساد والسرقة، كقولك: سمتهم الفساد الاقتصادي، أو سمتهم الصدق.

تكتب في بعض النسخ الانجليزية: "scars" ، وتعني ندوب. وهي حسية مشاهدة فقط وليس فيها شيئ معنوي. والندب هو الاثر الذي تتركه الضربة أو الجرح على الجسد لمدة طويلة جدا أو لا يزول ابدا. وهذا هو المعنى بالضبط للكلمة الاغريقية ستيجما، "stigma" ، التي جاءت في رسالة بولس الاصليه. والتالي تعريفها من احد القواميس الاغريقية للكتاب المقدس:

New Testament Greek Lexicon - New American Standard
http://www.biblestudytools.com/...
Stigma - "علامة أو وخز في، أو وصمة على، الجسم. بالنسبة للاستخدامات الشرقية القديمة، العبيد والجنود يحملون اسم أو ختم سيدهم أو قائدهم موصوم أو محفور في أجسادهم لتحديد الجهة أو السيد الذي ينتمون اليه، كما يوجد أيضا من يوصمون أنفسهم بهذه الطريقة كرمز مميز لآلهتهم." Stigma - a mark pricked in or branded upon the body. To ancient oriental usage, slaves and soldiers bore the name or the stamp of their master or commander branded or pricked (cut) into their bodies to indicate what master or general they belonged to, and there were even some devotee's who stamped themselves in this way with the token of their gods.

وكما ترى في التعريف ان استخدامها الاغريقي محدد للاشياء التي تحفر الجسد فقط. وليس مجرد علامة أو سمة عامة ممكن ان تكون معنوية أو حسية، وإنما ماركة مميزة محفورة في الجسد. كما ان بولس قالها بصريح العبارة ان هذا الشيئ موجود في جسده، "حامل في جسدي".

قوله: "في ما بعد لا يجلب أحد عليّ أتعابا"، يعادلها: "من الان فصاعدا لا يزايد علي أحد." والسبب: لأنه يحمل في جسده ندوب الرب يسوع. بما يعني ان نفس الندوب الموجودة في جسد يسوع، هي ايضا موجودة في جسده.

فإذا قلنا ان يسوع صلب، وفي يديه اثر "المسامير"، فلابد من القول ان بولس أيضا صلب. لأن الندوب التي يُلمّح لها بولس هي ندوب حسية ملموسة محفورة في جسده، ولا توجد في أي واحد ثاني من رسل المسيح غيره هو فقط. وعلى هذا فلابد من استنثناء السجن والجلد والضرب، لأن جميع التلاميذ تقريبا تعرضوا لهذا. هو يتحدث عن شيئ مميز محفور في جسده لا يشترك فيه مع يسوع أحدٌ سواه.

في موضع ثاني يتحدث بولس عن نفسه فيقول: "من اليهود خمس مرّات قبلت أربعين جلدة إلاّ واحدة. ثلاث مرّات ضربت بالعصيّ. مرّة «رُجمت»" (2 كو 11: 24 - 25).

هو الان اخبرنا عن هذا الشيئ المميز جدا الذي لا يوجد الا في جسد يسوع وفي جسده هو فقط دون سائر التلاميذ. ما ألمح له في النص الاول صرح به هنا، الرجم. هذا هو الشيئ المشترك بينهما. الاحجار تحفر الجسد وتترك ندوبا لا تزول ابدا. الوقت الذي قال فيه انه يحمل في جسده ندوب الرب يسوع، هو غير الوقت الذي حصل فيه رجمه. ولكن اثر الحجارة بقي في جسده على طول.

لا مجال للتخمين والضرب بالغيب. هو قال انه يحمل في جسده ندوب يسوع. ولا يوجد في جسده شيئ يميزه عن بقية الرسل، شيئ يحفر الجسد ويصنع ندوب، سوى الرجم.

مع العلم انه لم يصدر عليه حكما بالرجم. ما حدث هو ان مجموعة من الناس احاطوا به وأخذوا يرجمونه بالحجاره، بطريقة عشوائيه، فسقط على الارض وتظاهر انه ميت، فتركوه وانصرفوا، وبعد ذلك قام بمساعدة برنابا (أعمال 14: 19 - 20). ولكن ندوب الرب يسوع بقيت في جسده يتفاخر بها على الاخرين.

 

10) مصادر قصة مرقس

المتأمل في انجيل مرقس يجد ان كاتبه مبدع في تألبف القصص. فتجده احيانا يأخذ نبؤات من العهد القديم ويؤلف عليها قصص، ليعطيك الانطباع ان يسوع يحقق نبؤات، وقد رأينا في فصل سابق قصة النبؤة عن الملك الذي سيدخل القدس على حمار، اخذها مرقص من سفر زكريا وألف عليها قصة نسبها ليسوع (مرقس 11: 1 - 10)، مع ان يسوع بعمره ماصار ملك ولا حاكم، لا على القدس ولا على غيرها.

صلب يسوع وما سبقه من احداث جرت في ليلة القبض عليه اخذها مرقس من نصوص وردت في رسائل بولس.

هل يمكن لمرقس ان يقول مثلا ان يسوع قُتل بالسيف؟ كيف له ذلك ورسائل بولس تتحدث عن يسوع المعلق. فمن المنطق اذن ان يأتي بقصة لا تتعارض مع ما عرفه الناس من معلومات عامة، حتى وان كانت معلومات قليلة وغامضة، وذلك ان الفرق شاسع بين التعليق والسيف.

ربما لم يتعمد مرقس ان يجعل موت يسوع بطريقة الصلب. رسائل بولس تتحدث عن يسوع المعلق دون تفصيل، فلعله افترض انه عُلق على صليب، ولكونه مبدعا في تأليف القصص، كتب عن الصلب قصة، وبما ان اليهود لا يصلبون، جعل صلبه على يد الرومان.
 

محكمة يسوع امام رئيس الكهنة ومحكمته امام بيلاطس

كتب بولس ينصح اتباعه: "اوصيك امام الله الذي يحيي الكل، و المسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس البنطي بالاعتراف الحسن" (تيموثاوس الأولى 6: 13).

بعد النص في الاعلى، واصل بولس كتابة وصاياه لاتباعه.

عرف مرقس من هذا النص ان الحاكم الروماني استدعى يسوع ليسمع منه. وهو شيئ طبيعي ان يُستدعى المشتكى عليه لسماع اقواله. بولس يقول ان يسوع شهد لدى بيلاطس بالاعتراف الحسن، اي انه قال قولا حسنا، ولكن الجملة غامضة لم توضح ما قاله بالضبط ، قام مرقس واستغل كلام بولس هذا واصطنع محكمة ليسوع امام بيلاطس.

مرقس لم يضع على لسان يسوع اي قول حسن، وجعله صامتا طوال الوقت، يضربونه ويبصقون على وجهه وهو لا يتكلم، والسبب، كما سبق ورأينا، تحقيق نبؤة اشعيا: "ظُلم أمّا هو فتذلّل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازّيها فلم يفتح فاه" (اشعيا 53: 7).

يوحنا قرأ ما كتبه مرقس ولم يعجبه المكتوب، فوضع على لسان يسوع القول الحسن: "أجاب يسوع، أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي." (يوحنا 18: 37).

لا يبدو ان يوحنا كان يعرف ان مرقس اراد من سكوته تحقيق "نبؤة"، فأنطق يسوع بالقول الحسن وافسد على مرقس نبؤته.

ومن اين عرفنا ان اليهود اشتكوا على يسوع لدى بيلاطس؟ هذا في سفر اعمال الرسل، يقول بولس: "ومع انهم لم يجدوا اساسا لموته، طلبوا من بيلاطس ان يُقتل. وبعد ان تمموا كل الذي كتب عنه، انزلوه من الخشبه ووضعوه في ضريح" (أعمال 13: 29). نجد هنا ان اليهود طلبوا الاذن من بيلاطس لقتل يسوع. الاحتمال الان ان بيلاطس استدعى يسوع ليسمع اقواله.

في رسالته الى تسالونكي، يؤكد بولس دون ادنى التباس ان اليهود هم الذين قتلوه وليس الرومان:

"الّذين قتلوا الرّبّ يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن" (تسالونيكي الاولى 2: 15).

للتجاوز على قول بولس، قام مرقس واصطنع محكمة ليسوع امام كهنة الهيكل، ليعطي الانطباع ان القتل الذي تحدث عنه بولس لا يعني تنفيذ القتل، وانما الحكم عليه فقط.

قبل ان يكتب مرقس انجيله، كان المرجع الرئيسي عن  يسوع هو ما كتبه بولس. لا احد يعرف مرقس. لذا لم يكن بإمكانه ان يتجاهل المرجع المعتمد.

كان الكاهن الاكبر، رئيس الكهنة، في ذلك الوقت يُسمى قيافا، وكانت تربطه علاقة وثيقة بالرومان. والظاهر انه اقنع بيلاطس أن وجود يسوع سيتسبب في انقسام المجتمع اليهودي، مما سيؤدي الى تعكير الصفو العام.. الحاكم، وبخاصة الحاكم على ارض اجنبية، يهمه الهدوء في الارض التي يحكمها، فأعطاهم بيلاطس الاذن بقتله.

اقتباس: "شغل قيافا المنصب [منصب الكاهن الاكبر] لفترة أطول بكثير من أسلافه المباشرين، ربما بسبب مهارته في إرضاء أسياده الرومان مع الحفاظ على درجة من التوافق بين مختلف الطوائف الدينية في القدس."
Caiaphas, however, held the position much longer than his immediate predecessors, probably due to his skill in pleasing his Roman overlords while maintaining a degree of order among the various religious factions in Jerusalem.
Caiaphas - New World Encyclopedia

بناءا على ما سبق يبدو ان الاحداث سارت على النحو التالي:

  1. ذهب قيافا مع مجموعة من كهنة اليهود الى بيلاطس وطلبوا منه الاذن بقتل يسوع طبقا لشريعتهم.
  2. بيلاطس استدعى يسوع ليسمع اقواله.
  3. حضر يسوع ونفى كل التهم المسندة اليه، وربما اعاد مقولته المشهورة: اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، مؤكدا بذلك انه ليس لديه اي نية للقيام بثورة على حكم الرومان، وانه رسولا الى بني اسرائيل فقط.
  4. بيلاطس أذِنَ ليسوع بالانصراف بعد ان سمع منه الاعتراف الحسن، ولم يرى فيه أي خطر على الوجود الروماني في فلسطين.
  5. عاد قيافا الى بيلاطس مرة اخرى طالبا الاذن بقتله، وقائلا ان يسوع سيسبب انقساما في المجتمع، مما سيؤدي الى مشاكل لنا ولكم.
  6. وبعد ان أصرّ قيافا على قتله، قال بيلاطس: هو صاحبكم وانتم ادرى به. اقتلوه ان شئتم.
  7. ذهب اليهود وقبضوا على يسوع ورجموه ثم علقوه على خشبة الى قبل مغيب الشمس، وبعد ذلك انزلوه من الخشبة ووضعوه في ضريح.

 

العشاء الاخير

ورد ذكر هذا العشاء أولا في احدى رسائل بولس، ثم في مرقس.

  رسالة بولس الاولى الى كورنثوس (نسخة الملك جيمس الجديدة)
11: 23  لانني تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضا ان الرب يسوع في الليلة التي أُسْلِمَ فيها اخذ خبزا
11: 24  وشكر فكسر وقال هذا هو جسدي المكسور لاجلكم اصنعوا هذا لذكري
11: 25 كذلك أخذ الكأس أيضا بعد العشاء قائلا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري

يبدأ بولس كلامه بالعبارة "تسلمت من الرب" أي ان كلامه هذا لم يخبره به أحد من تلاميذ يسوع، وانما اتاه "وحي" من يسوع شخصيا واخبره به!

هذا النص اقرب ان يكون موجها لاتباع يسوع الذين سيأتون من بعده، وكأن يسوع يجلس وحده ويوجه كلامه لاتباعه المستقبليين.

ملاحظة: النسخة العربية اضافت مفردات للنص اعلاه ليبدو يسوع وكأنه يخاطب تلاميذه. تم تعديل النص العربي ليوافق اغلب الترجمات الاجنبية.

لا شيئ يجعل بولس يبدأ كلامه بالعبارة "تسلمت من الرب" الا لقطع الطريق على كل من يعترض عليه من تلاميذ يسوع، ويقولون مثلا، نحن كنا معه ولم يحدث شيئ مما تقول، سيقول حينها: وهل قلتُ انا انه كان يخاطبكم؟

في الحقيقة ان ما كتبه بولس من تأليفه، وما قال عنه وحي فإنه موجود في سفر الخروج: "واخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال: هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الاقوال" (خروج 24: 8)

الاية اعلاه من سياق نص يتحدث عن مذبح اقامه النبي موسى ذبح فيه ثيران، وقال: "هذا هو دم العهد الذي قطعه الرب معكم"، قام بولس وكتب "العهد الجديد"، واستبدل دم الثيران ولحومها بدم يسوع ولحمه، ثم زعم انه "وحي"!

مرقس أخترع قصة على "وحي" بولس، وجعل مع يسوع تلاميذه الاثنى عشر، وانه كان يخاطبهم:

  مرقس
14: 17 ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر.
14: 18 وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع: الحق أقول لكم: إن واحدا منكم يسلمني. الآكل معي!
. . .  
14: 22 وفيما هم ياكلون اخذ يسوع خبزا و بارك و كسر واعطاهم و قال خذوا كلوا هذا هو جسدي
14: 23 ثم اخذ الكاس وشكر واعطاهم فشربوا منها كلهم
14: 24 وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين


لوقا، ولسبب ما، لم يعجبه ما كتب مرقس، فكتب جزءا منه واهمل الباقي:

  لوقا
22: 19 وأخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم قائلا هذا هو جسدي  --  22: 19b الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري
22: 20 وكذلك الكأس أيضا بعد العشاء قائلا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم

الاية 22: 19 مقسمة الى جزئين، من (22: 19b) الى اخر النص في الاعلى لم يكن جزءا من لوقا واضيف في وقت متأخر.

خذ هذه المفردات (luke 22:19b-20 interpolation) وابحث عنها في الانترنت لترى الدراسات والنقاشات حولها.

القضية هنا ليست مجرد نص عادي، ما يسمى العشاء الاخير ركن اساسي من اركان الدين المسيحي، فكيف لا ينسخها لوقا عن مرقس وقد كان مرجعه الرئيسي؟

لاحظ ان صيغة النص ابتداءا من الاية (22: 19b) هي أقرب للنص الموجود في رسالة بولس، منها الى مرقس، بما يدل على ان الذي اضاف هذا الكلام كان يقرأ من رسالة بولس، اقرأ التالي وقارن:

لوقا 22: 20 وكذلك الكأس أيضا بعد العشاء قائلا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم
بولس 11: 25 كذلك أخذ الكأس أيضا بعد العشاء قائلا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري


يوحنا لم يكتب شيئ عن ما يسمى العشاء الاخير، ولكن يبدو انه أعجبه ما كتب مرقس عن أكل لحم يسوع وشرب دمه، فكتبه في موضع آخر، غير ليلة القبض عليه، وغيّر صيغته:

  يوحنا
6: 51 انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء ان اكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد و الخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم
6: 52 فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين كيف يقدر هذا ان يعطينا جسده لناكل
6: 53 فقال لهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان لم تاكلوا جسد ابن الانسان و تشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم
6: 54 من يأكل جسدي و يشرب دمي فله حياة ابدية و انا اقيمه في اليوم الاخير
6: 55 لان جسدي مأكل حق و دمي مشرب حق
6: 56 من ياكل جسدي و يشرب دمي يثبت في و انا فيه

هذا الكلام المقرف الذي كتبه يوحنا يصلح ان يقال لآكلي لحوم البشر.
 

الصلاة في موقع جشيماني

مصدر هذه القصة رسالة بولس الى العبرانيين: "الذي في ايام جسده اذ قدّم بصراخٍ شديدٍ ودموعٍ طلباتٍ وتضرعاتٍ للقادر ان يخلصه من الموت" (عبرانين 5: 7). هذا النص اخذه مرقس من رسالة بولس وألف عليه قصة تدور احداثها في موقع اطلق عليه اسم جشيماني في ليلة القبض على يسوع.

  مرقس
14: 32 وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني فقال لتلاميذه: اجلسوا ههنا حتى أصلي.
14: 33 ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يدهش ويكتئب.
14: 34 فقال لهم: نفسي حزينة جدا حتى الموت! امكثوا هنا واسهروا [راقبوا].
14: 35 ثم تقدم قليلا وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن.
14: 36 وقال: يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأجز عني هذه الكأس. ولكن ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت.
14: 37 ثم جاء ووجدهم نياما فقال لبطرس: يا سمعان أنت نائم! أما قدرت أن تسهر [ان تراقب] ساعة واحدة؟
14: 38 اسهروا [راقبوا] وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف.
14: 39 ومضى أيضا وصلى قائلا ذلك الكلام بعينه.
14: 40 ثم رجع ووجدهم أيضا نياما إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبونه.
14: 41 ثم جاء ثالثة وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا [هل لا زلتم نياما ومسترحين] يكفي! قد أتت الساعة! هوذا ابن الإنسان يُسّلم إلى أيدي الخطاة.
14: 42 قوموا لنذهب. هوذا الذي يسلمني قد اقترب.
14: 43 وللوقت فيما هو يتكلم أقبل يهوذا واحد من الاثني عشر ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ.

ملاحظة: الاية (14: 41) مكتوبة في النسخ الانجليزية هكذا: "هل لا زلتم نياما ومسترحين" وليس كما تكتبه النسخة العربية: "ناموا الان واستريحوا"، بما يعني انه اتي ليراهم للمرة الثالثة فوجدهم نياما.

الملاحظة الثانية: كل الايات التي وردت فيها كلمة اسهروا، وضعنا امامها [راقبوا]، وذلك ان النسخ الاجنبية تكتب راقبوا (watch)، المعنى نفس الشيئ، ولكن راقبوا اوضح.

ذهبوا إلى موقع يُسمى جثسيماني، فقال يسوع لتلاميذه: اجلسوا هنا حتى أصلي. ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وبدأ يشعر بضيقٍ عميقٍ واضطراب. قال لهم: نفسي حزينة جدا حتى الموت، امكثوا هنا وراقبوا. تقدم قليلا، أي انه ابتعد مسافة، وصلى من أجل أن تمر الساعة إن كان ذلك ممكنا. قال: أيها الاب، كل شيء ممكن بالنسبة لك. ابعدْ هذه الكأس عني. ومع ذلك، لا ما أريد بل ما تريد. ثم رجع إلى تلاميذه فوجدهم نيامًا. قال لبطرس: سمعان، هل أنت نائم؟ ألا تستطيع أن تراقب ساعة واحدة؟ راقبوا لئلا تقعوا في تجربة. الروح نشيطٌ ولكن الجسد ضعيف. ومضى مرة أخرى وصلى نفس الشيء. وعندما عاد وجدهم ايضا نيامًا، عيونهم ثقيلة ولم يعرفروا بماذا يجيبونه. فرجع للمرة الثالثة فقال لهم: هل لا زلتم نياما ومسترحين؟ كفى! لقد أتت الساعة. انظروا أن ابن الإنسان يسُلّم الى أيدي خطاة. قوموا لنذهب. وللوقت فيما هو يتكلم، أقبل يهوذا ومعه جمع كثير بسيوف وعصي وألقوا القبض عليه.

لاحظ أن يسوع قد سار على بعد مسافة من بطرس ويعقوب ويوحنا قبل أن يبدأ الصلاة (14: 35)، وعندما عاد وجدهم نائمين.

إذا كان يسوع على بعد مسافة من تلاميذه وكانوا نائمين، فمن سمع صلاته وتضرعاته؟ من أين عرف مرقس ما قاله يسوع لأبيه؟ مع العلم ان يسوع عاد ليراهم ثلاث مرات، وفي كل مرة من المرات الثلاث كانوا نياما. اضف الى ذلك انه تم القاء القبض عليه مباشرة بعد انتهاء الصلاة (14: 43)، ولا مجال لنفترض جدلا انهم سألوه ماذا قلت في صلاتك.

ويضيف لوقا على هذه القصة التي نقلها عن مرقس: "وظهر له ملاكٌ من السماء يُقويه" (لوقا 22: 43). طبعا التلاميذ لم يرتعبوا من رؤية الملاك ولم يتفاجأوا بظهوره، لأنهم كانوا نياما، لم يروا شيئ ولم يسمعوا شيئ. ومع ذلك، وبقدرة قادر، عرف لوقا ان ملاكا ظهر ليسوع!

وللتذكير، كل ما ورد في هذه القصة هو من وحي خيال مرقس، مصدرها نص واحد من رسالة العبرانيين: "الذي في ايام جسده اذ قدّمَ بصراخٍ شديدٍ ودموعٍ طلباتٍ وتضرعاتٍ للقادرِ ان يخلصهُ من الموت، وسُمع له من أجل تقواه" (عبرانيين 5: 7). هذا النص، وبغض النظر سواءا كاتب الرسالة بولس أو غيره، مقتبس من سفر المزامير: "لأنه لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين ولم يحجب وجهه عنه، بل عند صراخهِ إليه استمع" (مزمور 22: 5)، اذا كان الله سَمِعَ لصراخ يسوع من اجل تقواه (عند صراخه اليه استمع)، فهذا يعني انه انجاه من الموت! ولكنهم يقولون ان سماعه له يعني اقامه من الموت. حتى ولو اخذناها بهذا المعنى، مع ان المزمور لا يقول ذلك، فالقيامة اذن حدثٌ طارئ، وافق الله عليها بعد دعاء وصراخ شديد، ولم تكن من ضمن البرنامج المُعدُ سلفًا.. ماذا عسانا ان نقول؟ يريدون تركيب المزمور على يسوع بالغصب.
 

يهوذا الاسخريوطي! هل هذا الاسم حقيقي؟

يقول بولس: "لانني تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضا ان الرب يسوع في الليلة التي ((أُسْلِمَ)) فيها..." (كورونثوس الاولى 11: 23).

"في الليلة التي أُسْلِمَ فيها" -- هذا التعبير يدل على انه كان يوجد شخص (أو أكثر) قام بتسليم يسوع الى خصومه. بولس يستطيع ان يدعي ان يسوع يأتيه بانجيلٍ خاص به وحده، ولن يقدر احد ان يؤكد ذلك أو ينفيه، ولكن ان يدعي ان يسوع "أُسْلم"، بينما الحقيقة غير ذلك، والتلاميذ كلهم على قيد الحياة، فهذه صعبة. وايضا ليس له مصلحة، ولو كان له مصلحة، لأعطاه اهمية اكثر، بدلا من ان يمر عليه كلمح البصر.

عرف مرقس من هذا النص ان يسوع تعرض الى خيانة، فاخترع شخصية الخائن، واطلق عليه اسم يهوذا الاسخريوطي.

اسم (يهوذا الاسخريوطي) يعني: "ذكريات الشعب اليهودي"
"memories of the Jewish people" (ويكيبيديا)
Yehudah, i.e., the tribe of Judah, the Jewish people.
Iscariot (יזכוריות) is the Hebrew word for 'memories'

لاحظ انه اختار اسم له رمزية، لايصال رسالة مفادها: ماذا نتذكر من هذا الشعب غير الغدر والخيانة.

اختيار الاسم لم يكن صدفة وملئ فراغ، وقد رأينا في فصل سابق انه اخترع شخصية يسوع باراباس، وان اسم "بارابّاس" يعني "ابن الاب" باللغة الارامية. يسوع المسيح ايضا "ابن الاب"! فهل هي صدفة ان يتطابق اسم المجرم مع اسم يسوع؟ وكلاهما "ابن الاب"؟

اسم يهوذا ورد ايضا في كتاب اعمال الرسل (1: 15 - 26)، فهل يدل هذا على ان الاسم صحيح؟

كتاب الاعمال يُنسب الى لوقا، وفي فقرة سابقة من هذا الفصل رأينا كيف اضاف لوقا العبارة "وظهر له ملاكٌ من السماء يُقويه"، اضافها للنص الذي نسخه عن مرقس، وفي مواضع كثيرة خارج موضوعنا هذا لوقا ينسخ نصوص من مرقس ويُزيد ويُنقص ويُغير فيها، فكيف نثق به في اسم يهوذا المذكور في كتابه المسمى اعمال الرسل؟ ربما قال بطرس اسم ثاني، فقام لوقا وغير الاسم ليطابق الاسم المكتوب في انجيله.

نستخدم في موضوعنا هذا اسم يهوذا الاسخريوطي كعنوان للشخص الخائن، تماشيا مع الاسم الموجود في الاناجيل، ولا نعتقد انه اسمه الحقيقي.
 

يقول بولس: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب: ملعون كل من عُلقَ على خشبة" (غلاطية 3: 13).

الملعون في الشريعة اليهودية يتم انزاله من الخشبة قبل مغيب الشمس، استنادا لما هو مكتوب في سفر التثنية: "فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبا" (تثنية 21: 23).

بناءا على النصين في الاعلى قرر مرقس انزال يسوع من على الخشبة قبل مغيب الشمس.


من المحتمل جدا ان مرقس كتب قصته للجماعة التي ينتمي اليها في روما فقط، كنوع من التسلية أو الموعظه، ولم يكن يتوقع انها ستكون عقيدة تؤمن بها الامم على مر العصور. ولكنها نالت اعجاب الناس فتناقلتها الاجيال من بعده جيل بعد جيل.
 

ملخص الفصل: راينا في فصل سابق انه توجد دراسة بعنوان «رواية معاناة المسيح قبل مرقس»، (pre-markan passion narrative). هدف البحث هو ايجاد كتابات سبقت مرقس، تصور يسوع بالطريقة التي صورها مرقس، والطريقة التي مات عليها... لا يزال البحث مستمرا، ولم يجدوا مصدرا واحدا لحد الان.

ما نراه هو ان مصادر مرقس هي فقط الاشارات والعبارات التي وردت في رسائل بولس، وهي التي راينا في هذا الفصل. القصة الدرامية التي حبكها مرقس عن قصة الصلب محورها هذه الاشارات والعبارات فقط. استخدم مرقس نصوص من كتب العهد القديم، وبشكل خاص من المزمور 22 وأشعيا 53، وقد سبق الحديث عنهما في فصل آخر، ليعطي الانطباع ان موت يسوع يحقق نبؤات، وهذا ليس بالامر الصعب، أي مؤلف روائي يستطيع ان يكتب قصة مزخرفة بنصوص دينية، ولكن هذا لن يعطي روايته مصداقية، ولن يجعلها حقيقة تاريخية.

 

11) يسوع في التلمود

وردت قصص في التلمود عن شخص يحتمل انه يسوع. القصة التالية احدها:

يسوع في التلمود
http://www.skeptically.org/...
السنهدرين 43a:

"في عشية عيد الفصح عُلق يسوع (نسخة ميونيخ تضيف الناصري). وكان قد انطلق نداء لمدة اربعين يوما قبل تنفيذ الحكم: 'يسوع سوف يعاقب بالرجم لأنه يمارس السحر ويقود اسرائيل على الارتداد. وأي شخص يقدر ان يقول شيئا لصالحه، فليتقدم ويترافع عنه' ولكن لم يتقدم أحد لصالحه. وتم تعليقه في عشية عيد الفصح... هل تفترض ان شخصا كهذا يمكن ان يتقدم أحد ويدافع عنه؟ أولم يكن محرضا، الذي قال عنه الكتاب، لا تدخره ولا تحجبه (تثنية 13: 9)؟ ولكن مع يسوع الحالة تختلف، لأنه كانت له ارتباطات مع الحكومة (أو جهة مؤثرة). حاخاماتنا علمونا: يسوع كان لديه خمسة تلاميذ، متاي، ناكاي، نيزر، بوني ، توده."

 

Sanhedrin 43a:

"On the eve of the Passover Yeshu (The Munich manuscript adds the Nasarean) was hanged. For forty days before the execution took place, a herald went forth and cried, 'He is going forth to be stoned because he has practised sorcery and enticed Israel to apostasy. Anyone who can say anything in his favour, let him come forward and plead on his behalf.' But since nothing was brought forward in his favour he was hanged on the eve of the Passover.... Do you suppose that he was one for whom a defence could be made? Was he not a Mesith (enticer), concerning whom Scripture says, Neither shalt thou spare, neither shalt thou conceal him (Deut. 13:9)? With Yeshu however it was different, for he was connected with the government (or royalty, i.e., influential). Our Rabbis taught: Yeshu had five disciples, Matthai, Nakai, Nezer, Buni, and Todah."

نجد في هذه القصة ان يسوع كانت له ارتباطات مع الحكومه أو جهة لها تأثير في المجتمع أو الحكومه. فهو اذن لم يكن شخص عادي. هذا الشخص أو الجهة التي يرتبط بها يسوع كانت من الممكن ان تسبب مشاكل لأعداءه لو أنهم قتلوه دون إذن مسبق، مثلما قتلوا ستيفانوس رجما حتى الموت.

بالنسبة للنداء الذي استمر اربعين يوما، ربما كان فرصة اعطاها الحاكم الروماني ليسوع حتى يتمكن من الهرب إن لم يجدَ احدا يشهدُ لصالحه.  ونفترض ان الشهادة المطلوبة هي شهادة رجل دين مُعتبر، وإلا فبكل تأكيد سيجد المتهم من يشهد له من اصدقائه او اتباعه، سواءا كان المتهم يسوع المسيح أو غيره.

معلق أو مرجوم؟

جميع الاشارات لمقتل يسوع التي ذكرها بولس في رسائله تصفه بالمعلق وليس المرجوم. الآن اذا نظرنا الى الاقتباس في الاعلى، نجد الراوي يبدأ القصة بالعبارة "في عشية عيد الفصح عُلق يسوع"، ولكن النداء كان: "يسوع سوف يعاقب بالرجم"، ثم ينهي روايته بالقول: "وتم تعليقه في عشية عيد الفصح"

من لا يعرف ان التعليق يأتي بعد الموت، ربما سيفترض ان التعليق شيئ، والرجم شيئ ثاني، وأن الحكم المبدئي كان الرجم، ثم تحول الى التعليق.

لنفترض الان ان الرواي لم يتطرق الى النداء الذي انطلق قبل تنفيذ الحكم، وقال روايته بطريقة موجزة جدا: "في عشية عيد الفصح عُلق يشوع" -- بهذا الاسلوب يكون قد فعل نفس بولس عندما وصف يسوع بالمعلق (يكتبونها مصلوب).

هذه تعابير القوم. معلقا تعني التعليق بعد الموت، ولا يكون التعليق إلا بعد القتل، ولا توجد عقوبة مستقلة أسمها التعليق، وليس بالضرورة ان يصف الحكم بالصيغة المطوله: رجموه وعلقوه. ولكن اذا لم يحصل تعليق، سيقول رجموه.

من نفس الرابط في الاعلى، توجد قصة عن شخص يُسمى بن سترادا:

هامش السنهدرين (67a) يقول، في الطبعات غير المراقبة من التلمود، كالتالي: وهكذا فعلوا بـ بن سترادا في اللد، وعلقوه في عشية عيد الفصح
A footnote to Sanhedrin 67a says, "In the uncensored editions of the Talmud there follows this passage.. And thus they did to Ben Strada in Lydda, and they hung him on the eve of Passover"
http://www.skeptically.org/...

هذه الروايات التلمودية، وبغض النظر إن كان المقصود فيها يسوع أو غيره، تجيب على أي تسائل يقول: لماذا لم يقولها بولس بصريح العبارة ان يسوع رُجم. هو قالها بصريح العبارة، ولكن بتعبير القوم الذين ينتمي إليهم. أما ان كان مرقس الاغريقي الذي يسكن روما قد فهم ما يقصده بولس أَم لا، فهذه مسألة أخرى.

اذا نظرنا الان الى رسائل بولس، نجده يذكر مقتل يسوع بالاشارة فقط ، وليس بالتفاصيل. مثلا: "ونحن نَكْرِزُ بالمسيح مصلوبا [معلقا]" (كورنثوس الاولى 1: 23)، "ان لو عرفوا لما صلبوا [علقوا] رب المجد" (كورنثوس الاولى 2: 8).

فإن كانت الاشارة الى موته ستقتصر على كلمة واحدة فقط ، فسوف تكون التعليق وليس الرجم، مثلما قال الراوي في قصة التلمود.

نفس الرواية التلمودية في الاعلى اختصرها كاتب في الموسوعة الحرة ويكيبيديا كالتالي:

يسوع في التلمود
Jesus in the Talmud
http://en.wikipedia.org/...
ساحر – السنهدرين 43a يروي محاكمة واعدام ساحر اسمه يسوع ("يشو" في العبريه) وتلاميذه الخمسة. الساحر رُجم وعُلق في عشية عيد الفصح. A sorcerer – Sanhedrin 43a relates the trial and execution of a sorcerer named Jesus ("Yeshu" in Hebrew) and his five disciples. The sorcerer is stoned and hanged on the Eve of Passover.

السنهدرين هو كتاب الاحكام والعقوبات في التلمود. عيد الفصح هو اليوم الذي يحتفل به اليهود بمناسبة تحررهم من العبودية في مصر.

 

12) القيــــــــــــــامـه...

النساء اتباع يسوع يتفقدن الضريح الفارغ

بالنسبة لمرقس فقد اكتفى بالضريح الفارغ وهروب النساء من القبر خائفات، أو هكذا انتهى كتابه لسبب ما.

"فخرجن [النساء] سريعا وهربن من القبر لأنّ الرّعدة والحيرة أخذتاهنّ. ولم يقلن لأحد شيئا لأنّهنّ كنّ خائفات" (مرقس 16: 8).

الآيات من مرقس 16: 9 - 20، (12 آيه)، أضيفت الى الانجيل بعد قرن من الزمن بعد موت مؤلفه!

وبما أن النساء خرجن من القبر خائفات ولم يخبرن أحد، فلم تكن هناك من قيامة إذن، وإنما ضريح فارغ. وكان هذا القول في زمن مرقس، أي بعد اربعين سنة تقريبا من موت يسوع.

ثم تطورت القيامة بعد مرقس، فأضاف لها لوقا أوهام وخزعبلات، واخترع متىّ زلازل وبراكين، وجاء يوحنا بالبستاني ومساميره.

من المحتمل جدا ان مرقس مات قبل ان يكمل انجيله، ويبدو انه كان يعمل على كتابة الانجيل وحده، ولم يكن يُخبر احدا من تلاميذه واصحابه عن الرواية التي يكتبها، وهم ليس لديهم ادنى علم عن احداث موت يسوع وقيامته، لذا لم يكن بإمكانهم اكمال كتابه. كل ما استطاعوا فعله هو توزيع الكتاب فقط. وإلا فإته من الطبيعي ان يُكمل التلاميذ عمل معلمهم اذا فارق الحياة او حصل له عارض منعه من اكمال كتابة.

لا تفسير لعدم اكتمال الكتاب الا ان مرقس كان يعمل وحده بمفرده، ولا يعلم بالقصة احد سواه، لا من تلاميذ ولا اصدقاء أو اقرباء.

يقول مرقس على لسان الشخص الذي قابل النساء عند القبر:

"لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه كما قال لكم" (مرقس 16: 7)

في النص اعلاه يقول مرقس ان يسوع قد قال لتلاميذه انه سيسبقهم الى الجليل بعد قيامته.

نجد هذا في فصل آخر: "ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل" (مرقس 14: 28)

فصلٌ لم يكتمل -- مرقس عارف بالضبط ماذا يكتب، لانه المؤلف الاصلي، فوضع الاشارة في المكان المناسب، واستخدام نفس المفردات، حتى يقوم القارئ بربط هذه العبارة بتلك.. بسبب هذا الربط بين العبارات يبدو ان مرقس كان في نيته ان يُكمل الفصل الاخير، ويجعله في الجليل، ولكن شاءت الاقدار ان يتوقف عند هروب النساء خائفات.

متّى هو الوحيد الذي جعل لقاء يسوع بتلاميذه، بعد القيامة، في الجليل، ولكنه لم يذكر العبارة: يسبقكم الى الجليل كما قال لكم، فضاعت حلقة الوصل، لأنه ناقل وليس المؤلف الاصلي. وبالرغم من انه كتب في فصل سابق مصدر الاشارة حرفيا: "ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل" (متىّ 26: 32)، الا انه في الفصل عن القيامة لم يربط علاقة، ووضع الكلام على لسان الملاك: "ها هو يسبقكم الى الجليل هناك ترونه ها انا قد قلت لكما" (متّى 28: 7). صحيح ان الفارق بسيط جدا، ولكن مرقس ارادها حبكة محكمة، بينما متّى يعتقد انه اي كلام وخلاص. ولو كتبها مثلما كتبها مرقس لكان افضل من وضعها على لسان الملاك، أي ان هذه وصية يسوع التي سبق وقالها لكم، وليس كلامي. وعندما يقوم القارئ بالتفتيش في الكتاب، سيجد الوصية فعلا موجودة، وهذا يُسمى: الاسناد الترافقي (cross-reference).

وضع متّى على لسان الملاك هذه العبارة: "ليس هو ههنا لأنه قام كما قال." -- هذه لا تعادل عبارة مرقس: "يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه كما قال لكم" -- مسألة ان يسوع قال لتلاميذه، انه يسبقهم الى الجليل، هذه ليست موجودة في متّى.

كتب متّى الاشارة الاولى، "ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل"، بسبب انه كان يضع انجيل مرقس على الطاولة امامه وينسخ منه نسخ مباشر، ولكن بعد ان توقف مرقس قبل ان يكمل الفصل الاخير، متّى تلخبط، ونسي ما كتبه، فاخترع كلام من راسه لم يراعي فيه التوافق مع مرقس في اللمسات الصغيرة. هذه اللمسات الصغيرة مهمة لمعرفة المصدر من الناقل، ولمعرفة الاصلي من التقليد.

لوقا ويوحنا جعلا لقاء يسوع بتلاميذه، بعد القيامة، في القدس، ولم يتطرقا الى الجليل.

يوحنا اطّلع على لوقا، بالاضافة الى مرقس، فاشترك مع لوقا في جوانب من قصة القيامة، أمّا متّى فشذ عنهما 180 درجة.

يوحنا نقل عن لوقا قصة صيد السمك أيضا، وهي في لوقا في الفصل الخامس (5: 1 - 11)، اخذها يوحنا عن لوقا وغيّر فيها، ثم اعاد كتابتها باسلوبه وجعلها بعد القيامة المزعومة.

فكّر وتأمل، لو كانت لديهم مصادر اخرى غير مرقس في الصلب والقيامة، لبقوا "كلهم" متفقين.. توقف المصدر الوحيد، فاختلف الناقلون.

ومع ذلك كانت القيامة موجودة في كتابات سبقت مرقس، فهي إذن لها أصل، ولكن ليس كما صورتها الاناجيل في وقت متأخر جدا.

يقول بولس: "وأنّه دفن وأنّه قام في «اليوم الثّالث» حسب الكتب" (1 كو 15: 4).

ولا معلومة عن كيف قام!

يبدو ان كُتب العهد القديم تفوقت في قيامة الاموات على قيامة يسوع. فمثلا نجد في كتاب الملوك الاول ان إيليا أقام طفلا من الموت بطريقة مشروحة بوضوح (1 ملوك 17: 21 - 24). وفي كتاب الملوك الثاني أقام أليشع طفلا آخر (2 ملوك 4: 32 - 36). كما قام رجل مجهول من الموت عندما دفن في قبر اليشع (2 ملوك 13: 20 - 21).

المجتمع اليهودي كانت لديه القابلية لاستيعاب فكرة قيامة الاموات، ومنذ زمن بعيد جدا قبل يسوع. وجاء في انجيل لوقا ان اليهود احتاروا في هوية يسوع في بداية دعوته، فقال بعضهم: "ان نبيا من القدماء قام" (لوقا 9: 8). وعندما تجد مجتمعا لديه القابلية لاستيعاب مثل هذه الافكار، فما هو الغريب في تصديقهم ان يسوع قد قام من الموت مثلما قام غيره من قبله؟
 

ولكن لماذا قام في اليوم الثالث وليس قبله أو بعده؟

تخبرنا الموسوعة اليهودية ان اليهود قاموا بتطوير طريقة للتعامل مع الميت قبل دفنه نهائيا في قبر أبدي، خشية ان يدفنوا شخصا وهو لا يزال على قيد الحياة. يوضع الميت في قبر مفتوح لمدة ثلاثة أيام. وهذا الاجراء ينطبق على الجميع، المقتول أو الميت موتا طبيعيا.

JewishEncyclopedia - Burial
http://www.jewishencyclopedia.com/...

"الضريح أو القبر لا يغلق مباشرة على الميت. كان من المعتاد أثناء الايام الثلاثة الاولى ان يزور الاقرباء القبر ليروا ما اذا عاد الميت الى الحياة." (الموسوعة اليهودية) The tomb, however, was not immediately closed over the dead. During the first three days it was customary for the relatives to visit the grave to see whether the dead had come to life again

هذا يقودنا الى استنتاج: ان الاعلان عن، أو اكتشاف، فقدان الجثة في اليوم الثالث كان بسبب هذا التقليد اليهودي! وهكذا بنوا اسطورة قيامة يسوع في اليوم الثالث. وإن كانوا قد اكتشفوا فقدان الجثة في اليوم الثاني مثلا، لبنوا عليها قيامة في اليوم الثاني!

طبقا للموسوعة اليهوديه في الاقتباس اعلاه، فإن أقرباء الميت يأتون لزيارته كل يوم لمدة ثلاث أيام. ولكن من سيأتي لزيارة يسوع؟ لا أحد طبعا. لأن تلاميذه كانوا مختبئين في بيوتهم من شدة خوفهم ورعبهم من اليهود. تركوه وهربوا عندما كان حيا يُرزق، فهل سيغامرون بحياتهم من أجل جثة هامده؟

ما يقوله بعض العلماء المعاصرين عن اليوم الثالث:

Contemporary Scholarship... Resurrection of Jesus Christ
http://www.leaderu.com/...
"عبارة «في اليوم الثالث» تشير على الارجح الى اكتشاف الضريح الفارغ. باختصار شديد، النقطة هي انه لا احد في الواقع شهد قيامة يسوع، فكيف استطاع المسيحيون تحديد اليوم الثالث كيوم قيامته؟ الجواب الاكثر احتمالا انهم فعلوا ذلك لأن ذلك اليوم هو اليوم الذي اكتشفت فيه النساء اتباع يسوع الضريح الفارغ. ومن هنا تم تأريخ القيامة في اليوم الثالث. وهكذا، من المعادلة المسيحية القديمة التي يستند اليها بولس لدينا شواهد من وقت مبكر على وجود ضريح يسوع الفارغ." "The phrase «on the third day» probably points to the discovery of the empty tomb. Very briefly summarized, the point is that since no one actually witnessed the resurrection of Jesus, how did Christians come to date it "on the third day?" The most probable answer is that they did so because this was the day of the discovery of the empty tomb by Jesus' women followers. Hence, the resurrection itself came to be dated on that day. Thus, in the old Christian formula quoted by Paul we have extremely early evidence for the existence of Jesus' empty tomb."

وهكذا نجد ان تلك القيامة المزعومة لم تكن سوى ضريح فارغ فقط.

وقد افترضنا في فصل سابق انهم قتلوا يهوذا الاسخريوطي، وبعد ان اكتشفوا انهم قتلوه بالخطأ، اخذوا الجثة وألقوا بها في مكان آخر، خوفا من ان يعرف الناس حقيقة ما جرى، مما قد يؤدي الى فتنة في البلد، ولهذا السبب ظل الضريح المفترض ان يضعوا فيه يسوع فارغ، وعلى هذا الاساس ظنّ "بعض" اتباعه انه قام، ولكنهم لم يشاهدوه، وان كانت حصلت بعض المشاهدات، فهي من باب الهلوسة واحلام اليقضة فقط، وبما انه لم تصلنا كل كتابات وآراء تلاميذ المسيح، فلا يمكن القول ان جميعهم اعتقدوا نفس الاعتقاد، فلعل بعضهم كانت لديه وجهة نظر أخرى.

وكما هو معلوم، الانبياء والرسل يقيمون الحجة على خصومهم، وليس على اتباعهم، فلو كان قد قام فعلا، تحقيقا لآية يونان التي كتبها متّى في انجيله، لظهر للقوم الذين وعدهم بالاية، اليهود، ولكن هذا لم يحدث، بما يعني انه لم يعدهم بأي آية، وإلا لوجب الافتراض ان نبؤته باءت بالفشل.. شهادة الاصحاب لا اعتبار لها، والحق ما تشهد به الاعداء.

عدم وجود الجثة، هذه الجزئية وحدها، تنسف قصة الموت والقيامة من اساسها. ليس من مصلحة اليهود اخفائها، وليس لدى تلاميذه المرعوبين الجرأة والشجاعة على سرقتها، بما يدل على حدوث أمر خارج حدود الطبيعة جعل عملية الاعدام تسير على غير ما خُطط لها.

بالنسبة لقيامة الاموات، فان يسوع ليس هو الوحيد الذي يزعم اتباعه انه قام، قبله وبعده الكثير قيل انهم ماتوا ثم عادوا الى الحياة.. القصة التالية كتبها هيريدوت، مؤرخ اغريقي من القرن الخامس قبل الميلاد:

Resurrection
https://en.wikipedia.org/...
طبقا لهيرودوت، في القرن السابع قبل الميلاد، أريستياس (Aristeas)، حكيم بروكونيسيس (Proconnesus)، وُجدَ ميتا، ثم اختفت جثته من غرفة مغلقة. بعد ذلك، ليس فقط انه قام من الموت، ولكن ايضا نال الحياة الابدية. According to Herodotus's Histories, the seventh century BC sage Aristeas of Proconnesus was first found dead, after which his body disappeared from a locked room. Later he found not only to have been resurrected but to have gained immortality.

بروكونيسيس (Proconnesus) هي حاليا جزيرة مرمرة في تركيا.

هذه القصة ليست هي الوحيدة الموجودة على الرابط من ويكيبيديا في الاعلى عن قيامة الاموات، وتم اقتباسها كمثالٍ وليس حصرا.

ما هو الفرق بين قيامة هذا الحكيم وقيامة يسوع؟

من شهد له بالقيامة؟ اتباعه!

هل استطاع اتباع يسوع، او اتباع هذا الحكيم، ان يأخذوه امام الملأ، ليثبتوا بالدليل القاطع انه قام؟

الجواب ببساطة لا.. لا يراه غير الاتباع فقط!
 

التفسير لظهور الموتى للاحياء هو الهلوسة، وهذا يحدث للكثير من الناس، ومنهم من يشم رائحتهم ويلمسهم بيده. ولو كان الرائي بكامل قواه العقلية عندما يرى الميت، لقال له يا اخي، انا متأكد انك قمت من الموت، ولكن حتى يصدقني الناس، تعال نتجول معًا في الخارج ليتأكد من قيامتك كل من يشك فيها. فكرة بسيطة جدا كهذه لا تخطر على باله، لانه ليس في كامل وعيه، وكلها ثواني أو دقائق ويتلاشي الميت من امامه. وان كان يسوع، أو الحكيم الاغريقي، أو غيرهم، ظهروا فعلا لبعض اتباعهم واحبائهم، فهي من هذا النوع من الهلوسة، فأخبروا بها آخرين، فقام الاخرون وبالغوا فيها، فتحولت الهلوسة واحلام اليقضة، مع السنين، الى حقيقة.

بالنسبة ليسوع، هو لم يمت حتى يقوم من الموت، ولكن مشاهداته من قِبل بعض تلاميذه هي نفس مشاهدات الموتى من قِبل احبائهم، لان المشاهدة صادرة من الاحياء نتيجة عواطف أو عوامل نفسية أخرى.

تستطيع ان تثبت وجود الانسان الحي، وذلك بأن تطلب منه اللقاء في مكان ما، فيحضر في الموعد المتفق عليه، ويجلس مع من تريد، الصديق والغريب، ويتحدث معهم في اي موضوع تشاء. هذا هو المتوقع من الشخص الحي، وان لم يتحقق هذا الشرط فهو ميت.

اذا الشيئ لا تستطيع ان تضعه تحت التجربة، وتُثبت حقيقته بما لا يدع مجالا للشك، فكيف يمكن تصديقه؟

 

13) يوحنا يُلمح برجم يسوع: لا تلمسيني! وحقيقة المسامير والطعنه؟

يا سيد، هل اخذته من هنا؟

يوحنا يُرسل رسائل مبطنة في انجيله موجهة لأناس في عصره يعرفون الحدث بتفاصيله.

مريم المجدلية لم تتعرف على يسوع، وظنت انه البستاني!

يبدو ان قصة البستاني التي كتبها يوحنا مستوحاه من الادب الاغريقي المسرحي: المرأة تبكي حزنا على البطل المفقود. يعود البطل الى المشهد. يسألها وهو يعرف السبب، لماذا تبكين يا امرأة؟ من تطلبين؟ وهي لا تتعرف عليه لسبب غامض، وظنت انه البستاني. فتقول: يا سيد، هل اخذته من هنا؟ فيخاطبها البطل بإسمها: مريم. فتجيب: ربوني!

اذا كان يسوع قد قام من الموت، فيجب ان يكون بشكل نوراني مشع، ملاك، لا على شكل بستاني. ولكن الظاهر ان الرجم، كما تصور يوحنا، قد أثر على كل جسده، بما فيه الوجه. ولم تتعرف عليه المجدلية الا من صوته. وعندما ارادت لمسه لم يسمح لها، بسبب آثار الرجم التي لا تزال طرية في جسده، طبقا للرواية المبطنة التي اراد يوحنا تمريرها.

يوحنا كتب انجيله في سوريا أو تركيا ما بين سنة 90 الى 110 ميلادي، وكان يكره اليهود كرها شديدا، بسبب ان اليهود في هذه الفترة منعوا المسيحيين من دخول المعابد اليهودية، وكانوا يضطهدونهم، لذا لم يترك فرصة في انجيله تسمح له في التهجم على اليهود الا واستغلها. ليس على عامة اليهود فقط، ولكن حتى على انبيائهم. فنجده يصف انبياء بني اسرائيل باللصوص وقطاع الطرق، فيقول على لسان يسوع: "جميع الذين اتوا قبلي هم سراق و لصوص ولكن الخراف لم تسمع لهم. انا هو الباب ان دخل بي احد فيخلص و يدخل و يخرج و يجد مرعى" (يوحنا 10 : 8 - 9).

وبسبب احتكاكه المباشر باليهود واحتكاك جماعته بهم، وقربهم من موطن الحدث، فإنهم يعلمون ان يسوع مرجوم. لذا كان لابد له من طريقة لتسويق قصة الصلب، لأن فيها إثارة أكثر من الرجم. فجاء بقصة فيها تلميح الى رجمه، مع جعل هذه التلميحات جانبية، بينما سلط اضواء المسرح على الصلب. فعندما يقرأ القصة أحد الذين يعلمون برجمه، سيحاول الجمع بين المشهدين. مثلما يفعل الناس في هذا الزمن عندما يسمعون قصتين مختلفتين. تجدهم يحاولون الجمع بينهما بقدر الامكان. فيقولون مثلا: ربما شاهد هذا الراوي شيء لم يشاهده الرواي الاخر.

وهنا يوحنا عامل نفسه لا يعرف شيئا البتة عن الرجم، وفي نفس الوقت يعطيك تلميحات تشير الى حدوثه. في هذه الحاله سيخرج القارئ العارف برجمه بنتيجة ان يسوع رجم، ولكن يوحنا "المسكين" لم يكن يعلم بهذه الجزئية، هذا الرجم لم يؤدي الى مقتله، وبعد ذلك صلبوه، كما قال يوحنا.

إذا لم يأتي يوحنا بمثل هذه التلميحات، وتنكر للرجم جملة وتفصيلا، فإن الاحتمال كبير ان يُرفض انجيله من قِبل الناس.

مرقس ولوقا كتبوا اناجيلهم في روما، مكانا بعيدا جدا عن موطن الحدث، ومن معاشرتهم للناس الذين معهم، فإنهم قد علموا انه لا أحد يعرف بالضبط كيف مات يسوع.

مرقس كتب القصة، فنقلها عنه لوقا بلا تحرج ومن غير أي ضغط نفسي. ثم نقلها عنهما يوحنا، ولكن وضعه الجغرافي يختلف، كان يسكن في سوريا، وقد علم ممن عاشرهم وخالطهم في تلك المنطقة ان الكثير منهم يعلمون برجمه، ولهذا السبب جاء بقصة تحمل حدثين.

وبعد ان طعنوه خرج منه دم وماء! -- لم تكن قصة البستاني هي القصة الوحيدة التي يُغلف فيها يوحنا رسالة مشفرة. ففي قصة الصلب قال ان يسوع طعنوه في جنبه فخرج منه دم وماء.

توجد الكثير من الكتابات والمقالات يحاول اصحابها تفسير هذه الحالة الغريبه، ولماذا خرج منه دم وماء وهو ميت. أصحاب نظرية الاغماء اتخذوا هذه الجزئية دليل على ان يسوع لم يمت على الصليب، وإنما أغمي عليه فقط. يعتقدون ان ما كتبه يوحنا صحيح، وإنه كان صادقا فيما يقول. والحقيقة هي انه اراد ايصال رسالة خاصة من خلال هذا الموقف. لنقرأ أولا ماكتب، ثم نرى بعد ذلك موقع الرساله:

19: 33 و اما يسوع فلما جاءوا اليه لم يكسروا ساقيه لانهم راوه قد مات
19: 34 لكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة و للوقت خرج دم و ماء
19: 35 والذي عاين شهد و شهادته حق و هو يعلم انه يقول الحق لتؤمنوا انتم

بعد ان كتب النص الذي ذكر فيه الماء والدم، مباشرة بعده جاء بالشاهد: "الذي عاين شهد و شهادته حق...". هذا التعبير استخدمه يوحنا في نهاية الكتاب، كخاتمة ختم بها كتابه، فقال: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم ان شهادته حق" (21: 24). ولكن في مسألة الماء والدم، لم يختم الفصل عند هذا الحد، واتبعه بسبع آيات أخرى. وكأن ما جرى بعد الماء والدم لا يحتاج الى شاهد! فقط الماء والدم بحاجة الى شهاده!

الظاهر انه في الزمن الذي عاش فيه يوحنا كاتب الانجيل، كان بعض الناس يعتقدون في يسوع اعتقادات عجيبة وغريبة. ويبدو ان منهم من كان يعتقد ان المسيح مصنوع من "ماء" فقط، وليس كبقية البشر من ماء ودم. فنجد في الرسالة المنسوبة ليوحنا التلميذ، وهو ليس يوحنا كاتب الانجيل، انه يقول: "هذا هو الذي اتى بماء و دم يسوع المسيح لا بالماء فقط بل بالماء و الدم و الروح هو الذي يشهد لان الروح هو الحق" (يوحنا الاولى 5: 6).

بعد الماء والدم مباشرة جاءت الشهاده، وكذلك فعل يوحنا كاتب الانجيل في وصف يسوع بعد ان طعنوه!

الماء والدم دائما يحتاج الى شهاده... صدفه!

كاتب الرسالة جعل الروح القدس شاهدا على ان المسيح ماء ودم، وليس ماءا فقط. فجاء كاتب الانجيل وجعل التلميذ أيضا شاهدا على ان يسوع ماء ودم. ولماذا؟ كما قال هو في النص: "لتؤمنوا انتم" ان يسوع ماء ودم، وليس ماءا فقط.

يبدو ان الرسالة لم تأتي بالنتيجة المطلوبه، لأن الروح لا يمكن سؤاله والتأكد من أقواله. أما التلميذ فقد كان موجودا على قيد الحياة، اختلط بالناس وعاشرهم، سألوه فأجابهم، وبالدليل القاطع: عندما طعنوه خرج منه ماء ودم!

وكما ترى فإن مشهد الماء والدم من قصة الصلب لم يكن القصد منه الا تمرير رسالة الى الناس الذين يعتقدون ان يسوع مصنوع من ماء فقط.

وكذلك مشهد البستاني في قصة القيامه -- الكثير من الناس في فلسطين وما جاورها يعلمون ان يسوع مرجوم. وما يؤكد هذا القول هو روايات التلمود. ها هي روايات التلمود التي يعود تاريخها بحسب التقديرات الى نفس الفترة تقريبا التي عاش فيها يوحنا تقول ان يسوع مرجوم. فجاء يوحنا بالبستاني لهؤلاء الذين سمعوا برجمه، ومن غير ان يقولها بصراحه. مثل الماء والدم، لم يصرح عن السبب الذي جعل يسوع يخرج منه ماء ودم، ولكننا رأينا انه يرد على قوم يقولون ان يسوع مخلوق من ماء فقط.

وربما يتسائل أناس في ذلك العصر: ما الذي يؤكد ان يسوع مات مصلوبا؟ ألا يحتمل ان يكون يوحنا توهم صلبه، بينما هو في الحقيقة عُلق بحبل من يديه بعد رجمه؟


توما يتأكد من المسامير والطعنة التي خرج منها الماء والدم!

لم تفت على يوحنا هذه التساؤلات. وللتأكيد على انه صلب على صليب روماني، استحدث يوحنا المسامير. والشاهد على هذه المسامير هو توماس التلميذ: "فقال له التلاميذ الاخرون قد راينا الرب فقال [توما] لهم ان لم ابصر في يديه اثر «المسامير» و اضع اصبعي في اثر «المسامير» و اضع يدي في جنبه لا اؤمن" (يو 20: 25). يقصد بالجنب موضع الطعنه التي خرج منها الماء والدم!

قال له التلاميذ انهم رأوا يسوع، والرد الطبيعي المفترض: ان لم أره لا أؤمن. ولكن مشاهدته بالنسبة لتوما لا تعني شيئ، لابد ان يرى اثر المسامير، ويضع اصبعه في أثر المسامير، وإلا فإنه لن يصدق.. لن يصدق بصره، ولا بد ان يتلمسها بيده ويتأكد انها بالفعل مسامير، وإلا سيفترض انها خدعة بصرية! وكأن المسامير ماركه مسجله في كف يسوع من يوم ولدته أمه.

إذا كان قد طلب رؤية علامة مميزة يعرفه بها مسبقا، كعلامة خال أو وشم، لكان الطلب معقول، أمّا أن يطلب رؤية شيئ في يسوع لم يره فيه في أي وقت مضى، فهذا طلب غريب!

في قصة الماء والدم كان القصد من شهادة التلميذ "لتؤمنوا أنتم". وفي قصة المسامير، القصد أيضا نفس الشيئ: "لتؤمنوا أنتم"، ولكن هذه المره على لسان يسوع: "طوبى للذين امنوا و لم يروا" المسامير.

يوحنا مُصر اصرار عجيب على تاكيد المسامير والطعنة، وطوبى لمن آمن بها ولم يراها، بما يدل على انه كان يوجد من يشك فيها، وكما يقال: اللي على راسه بطحه يحسس عليها.

لقد سبق ورأينا ان يوحنا كتب انجيله، بحسب التقديرات، ما بين سنة 90 الى 110 ميلادي. في هذا الوقت كان الرومان قد استحدثوا استخدام المسامير في الصلب، ولكن في الوقت الذي عاش فيه يسوع لم تكن تستخدم. بمعنى آخر: جاء يوحنا يكحلها فعماها.

عالم سويدي: يسوع لم يصلب
Swedish scholar: Jesus was not crucified
http://www.thelocal.se/...
"اذا كنت تبحث عن نصوص تصور مسمرة اشخاص على الصلبان فلن تجد شيئا بجانب الاناجيل." "If you are looking for texts that depict the act of nailing persons to a cross you will not find any beside the Gospels."

الباحث السويدي صامويلسون يقصد انجيل يوحنا، لأن الكتبة الاخرين لم يتطرقوا للمسامير، وتركوا وسيلة الصلب لإكمال الفراغ على حسب الذوق والمزاج. لم يقولوا حبل ولم يقولوا مسمار، اختر ما يحلو لك.
 

لماذا يسوع سمح لتوما ومنع المجدلية من لمسه؟

لا تلمسيني!

كتب يوحنا ان يسوع منع مريم المجدلية من لمسه، وقال لها «لا تلمسيني»، ولكنه سمح لتوما ان يلمسه ويضع اصبعه في أثر المسامير. فما هو السبب؟

يسوع سمح لتوما بلمسه بعد ثمانية أيام من القيامة المزعومه. بينما مريم المجدلية حاولت لمسه مباشرة بعد قيامته. فلو جاءت المجدلية بعد ثمانية أيام، لما كان يسوع قد منعها، ولربما حثها على وضع يدها في أثر المسامير والطعنة أيضا.

فأين ذهب يسوع يا ترى في هذه الايام الثمانيه؟

الاجابة بسيطه: ذهب لتلقي العلاج من أثر الرجم.

كتب يوحنا: "قال لها يسوع: لا تلمسيني لأنّي «لم أصعد» بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: «إنّي أصعد» إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يوحنا 20: 17).

في هذا النص لم يترك يوحنا مجالا للتفسير والتخمين، وأعطاك السبب الذي جعل يسوع يمنع المجدلية من لمسه. منعها من لمسه لأنه لم يصعد بعد إلى أبيه. ولماذا يصعد؟ للعلاج طبعا. والدليل هو انه لمّا عاد من عند ابيه بعد ثمانية أيام، سمح لتوما بلمسه. المسألة لا تحتاج الى لف ودوران. هناك شيئ قد تغير بعد الثمانية أيام، وهذا الشيئ له علاقة مباشرة بجسمه.

لاحظ استخدام الفعل المضارع "إني أصعد"، بما يعني ان هذا الصعود سيحصل الان في القريب العاجل جدا، في نفس اليوم تقريبا. ويكتبونها بالانجليزي (I ascend)، الفعل المضارع من غير ادنى التباس. وقال لها في البدايه، "لا تلمسيني لأنّي لم أصعد..."، بما يعني: ولكن بعد أن أصعد وأتعالج، سأعود مرة أخرى، حينها بإمكانك لمسي. وكانت عودته من تلقي العلاج بعد ثمانية أيام. وبعد الثمانية أيام سمح لتوما بلمسه ووضع يده في اثر المسامير.

بعد أن قابل المجدليه، ذهب يسوع وقابل التلاميذ، وفرحوا برؤيته فرحا شديدا، ولكن توما لم يكن معهم، لأن دوره لم يحن بعد. وبعد ثمانية أيام جاء دور توما، وكان المشهد الذي رأينا.

طبعا هذا الكلام لا يتفق مع معتقدات المسيحيين في انه صعد الى ابيه بعد اربعين يوم. ولهذا السبب لديهم مشكلة عويصة في تفسير النص الذي كتبه يوحنا، ولماذا يسوع سمح لتوما بلمسه ومنع مريم المجدليه، وماذا يقصد بقوله «اني أصعد».

ولكن المعتقدات شيئ، والمكتوب شيئ ثاني. نحن نحكم على ما نقرأ، وليس على ما هم يعتقدون. وإن كان قد حصل تناقض وتضارب بين ما كتبه يوحنا وما كتبه لوقا، فهذا راجع الى ان هذه الكتب المسماة قانونية قد كُتبت في أزمنة متفرقة ومن غير تنسيق. ولم يخطر ببال الكاتب منهم ان كتابه سوف يُجمع مع غيره.

 

14) قيامة القديسين وزلازل متّى

قيامة القديسين من قبورهم وتوجههم الى أورشليم

مؤلف انجيل متّى وصل به الخيال الى حد الجنون، ويتكلم عن احداث لن تجد مثلها الا في افلام هوليود، وان دل ذلك على شيئ فإنما يدل على انه كان يخاطب جمهور من الجهلة والخرافيين يتقبلون منه أي شيئ يكتبه.

 متّى
27: 51 وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت.
27: 52 والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين.
27: 53 وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين.
27: 54 وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان، خافوا جدا وقالوا: حقا كان هذا ابن الله.

وقع زلزال شق الصخور وفتح القبور واعاد الحياة للقديسين.

اليهود والرومان أمم متعلمة، ولو حدث شيئ من هذا لكتبوه واذاعوه، واصبح حديث الامم، خبرا تسير به الركبان، ويتناقله القصاص في الامصار والبلدان.

المعروف عن القدماء انهم لا يراعون الدقة في احاديثهم، بل يضيفون ويبالغون على ما يسمعون، ومع ذلك، لم يذكر هذا الحدث الاغرب من الخيال أحدٌ سوى متّى فقط، ولا حتى كتبة الاناجيل الاخرى!

ثم لا يخبرنا مؤلف الانجيل اين ذهبوا بعد قيامتهم؟ هل عادوا الى قبورهم مرة أخرى؟ هل ذهبوا الى منازلهم القديمة؟ هل اصبحوا مشردين بلا مأوى؟ ماذا فعلوا، وماذا حدث لهم بالضبط؟

احتار المسيحيون عبر العصور في ما كتب متّى، ولا زالت الحيرة تلازمهم الى اليوم، وان بحثت في الانترنت ستجد العشرات من الصفحات فيها تساءلات ومحاولات توضيح.. التالي احدها:

ماذا عن متّى 27 : 52 - 53 ؟
What about Matthew 27:52 and 53?
"أول شيئ يجب ملاحظته (في أي نسخة من نسخ الكتاب المقدس) اذا حذفنا الايتين 52 و 53 فإن النص ينساب بسلاسة، حيث ان الاية 51 تسجل زلزلة وتشير اليها الاية 54..."
"الزلزلة، الصخور تتشقق، القبور تتفتح، والاموات يقومون، هذه الاشياء ذكرها متّى فقط ، وتحتوي على بعض التناقضات الواضحة.
"The first thing to notice is that (in any version of Scripture) if we delete verses 52 and 53, the biblical text flows smoothly, as the earthquake recorded in verse 51 is referred to by those in verse 54..."
"This record of the earthquake, the rocks being split, the graves being opened, and the dead being raised occurs only in Matthew, and it contains some apparent inconsistencies."


يتسائل الشخص في الاقتباس اعلاه عن عدم تسلسل النص.. القضية وما فيها ان متّى نقل النص عن مرقس ثم أقحم فيه قصة خروج الزومبي من قبورهم، فأصبح النص غير متسلسل.. اقرأ التالي من مرقس ومن متّى وقارن:

 متّى  مرقس
27 : 51 - وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت. 15 : 38 -  وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل.
27 : 52 - والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين.  
27 : 53 - وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين.   
27 : 54 - وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان، خافوا جدا وقالوا: حقا كان هذا ابن الله. 15 : 39  - ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال: حقا كان هذا الإنسان ابن الله.

تقول الاية (27 : 53) "وخرجوا من القبور بعد قيامته" يعني بعد قيامة يسوع، والانسب بعد قيامتهم، لان النص الذي قبله يتحدث عن انشقاق حجاب الهيكل، وحدث هذا عندما مات يسوع على الصليب. ثم تقول الاية التي تليها ان القبور تفتحت وقاموا من الموت. فلا يعقل انهم قاموا ثم بقوا في قبورهم المفتوحة ثلاثة ايام ينتظرون قيامة يسوع. "قيامته" تعديل في النص الاصلي، والسبب على ما يبدو هو ان طائفة من المسيحيين اقروا معتقدا ان يسوع هو اول من يقوم من الموت، وهذا يتعارض مع القديسين الذين أخرجهم متّى من قبورهم، فقاموا بتغيير النص في متّى من "قيامتهم" الى "قيامته".

متىّ نقل النص عن مرقس، والنقل واضح لا تخطئه عين.. مرقس هنا يتحدث عن ساعة موت يسوع على الصليب، فما دخل هذا بالقيامة المزعومة بعد ثلاثة ايام؟ لو اراد متّى ان يجعل قيامتهم بعد قيامة يسوع، لكتب القصة بعد قيامته وليس في هذا الموضع.

يتحدث متّى عن قيامة يسوع فيقول:

  متّى
28: 1 وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. 
28: 2 وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه.
28: 3 وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج.
28: 4  فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات.
28: 5 فقال الملاك للمرأتين: لا تخافا أنتما فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب.
28: 6 ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعا فيه.

يقول ان نزول الملاك احدث زلزال (28: 2). جاء الملاك ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه، ومن خوف الحراس ارتعدوا وسقطوا على الارض كالاموات (28: 4). قال الملاك للنساء ليس هو ههنا لانه قام. تعالوا انظروا الى الموضع الذي كان فيه (28: 6).

سيناريو 1: الحجر كان على باب القبر، والحرس كانوا موجودين يحرسون القبر. الملاك دحرج الحجر عندما نزل. وبعد ان دحرجه عن الباب كان القبر فاضي، يسوع ليس بداخله، فكيف خرج يسوع من القبر وبابه مغلق؟ لاحظ ان الملاك لم يدحرج الحجر ليخرج يسوع. لم يكن يسوع في القبر من الاول!

سيناريو 2: اذا افترضنا انها قيامة روحية (وهم لا يقولون ذلك)، اين ذهبت الجثة؟ كيف اختفت الجثة من القبر وبابه مغلق بحجر عظيم؟

ما كتبه متّى ليس سوى نسخة "مشوهة" من رواية مرقس.. كتب مرقس ان النساء وجدن القبر مفتوحا ويجلس بداخله شاب بحلة بيضاء. قام متّى واغلق القبر وحوّل الشاب الى ملاك، واضاف للملاك زلازل، وللقبر حرس، فتأزمت الرواية بطريقة لا يمكن حلها. ولو علمَ مرقس انه سيأتي من بعده من يُعيد كتابة روايته بهذه الشكل المسخ لما كتبها.

 

15) الغش والتزوير في الاناجيل: اذا اختلف اللصان انكشفت السرقه!

الشواهد التي رأينا في فقرات سابقة من مسامير وبستاني ودم وماء ويسوع باراباس وغيرها تدل على ان كتبة الاناجيل لا يقولون الحقيقة. ولعل هناك من يريد ان يتأكد أكثر، لذا كان هذا الفصل.

رأينا في بداية الموضوع ما ذهب اليه السياسي البريطاني انوخ پاول في رجم يسوع. أحد الذين تعاطفوا معه كان رئيسا للجنة المعتقد في كنيسة انكلترا. نقلت عنه صحيفة الاندبندنت البريطانية ما يلي:

قادة دينيون يردون ببرود على نظرية السياسي القائلة برجم يسوع حتى الموت
Religious leaders react coolly to politician's theory that Jesus was stoned to death
"قال الرئيس السابق للجنة المذهب في كنيسة انكلترا، الاسقف المتقاعد، القس جون بيكر: بوضوح، الاعتقاد يمكن بناءه مع عدد لا بأس به من الاخطاء في الاناجيل. هناك اختلافات واضحة في الاناجيل كما نعلم جميعا: لا يمكن ان تكون كلها صحيحة... ولكن الايمان مبني على أشياء حدثت في التاريخ، وبمجرد إلغاء التاريخ تكون قد ألغيت الايمان. فإذا اضطررت الى القول ان الناس الذين كتبوا الاناجيل... قاموا باختراع اشياء، يعرفون انها غير صحيحه، فإن الاناجيل تفقد مصداقيتها." "A former chairman of the Church of England's doctrine commission, the Rt Rev John Baker, retired Bishop of Salisbury, said: Clearly, belief can put up with quite a number of errors of fact in the gospel story. There are obvious disagreements in the gospels as we all know: they can't all be right... But the faith is based on things happening in history and once you abolish the history you have abolished the faith. Once you are forced to say that the people who composed the gospel... had made the stuff up, knowing it to be untrue, they become rather discredited."

هذه القس ليس من العلماء الليبراليين، أو من العلمانيين، وإنما رئيس سابق للجنة المعتقد في كنيسة انكلترا. وهو يقر بوجود اختلافات واضحة في الاناجيل، ويقول، "كما نعلم جميعا"، اختلافات معلومة للجميع، ولا يمكن ان تكون كلها صحيحه. بما يعني انه يَبني ايمانه على الحد الادنى.. بعبارة أخرى: بغض النظر عن حجم تلك الاخطاء، الحدث بحد ذاته لابد ان يكون صحيح. بإختصار: يسوع صلب وبس.


انجيل كيو (Q)
The Lost Sayings Gospel Q
http://www.earlychristianwritings.com/q.html

لاحظ الدارسون لكتب الاناجيل ان لوقا ومتىّ اعتمدا بشكل اساسي على مصدرين في  كتابة اناجيلهم. أحدهما انجيل مرقص، والمصدر الثاني انجيل لم يعد له وجود الآن، اطلقو عليه مصطلح (Q) أو انجيل كيو، وذلك نظرا للتشابه الكبير في بعض النصوص بين لوقا ومتى، وليست موجودة في مرقس.

أول ما ظهرت نظرية الانجيل المفقود كانت في ألمانيا في القرن الثامن عشر. ولعدم وجود مخطوطة أخرى تؤكد النظرية، افترض أغلب الباحثون عدم وجود انجيل مفقود، والتفسير للتشابه هو اما ان يكون لوقا قد نقل من متىّ أو العكس. الى ان جاء اكتشاف مكتبة نجع حمادي في مصر في خمسينات القرن العشرين. وكان من بين الكتب المكتشفة انجيل توما. وهنا كانت المفاجأه. تضمن انجيل توما جزءا كبيرا من النصوص الموجودة في لوقا ومتى، والتي يفتقدها مرقس. انجيل توما تجاهل قصة الصلب جملة وتفصيلا. وعلى هذا فلا يمكن القول ان كاتب انجيل توما قد نسخ من لوقا أو متى، وإنما من المصدر المفقود الذي اعتمد عليه لوقا ومتى.

مسألة النقل هذه لا يمكن أن ينكرها أحد، لأن لوقا بنفسه أكدها في بداية كتابه، فقال: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقنة عندنا. كما سلّمها إلينا الّذين كانوا منذ البدء معاينين وخدّاما للكلمة" -- وعلى هذا فإنه كان كثيرون يكتبون اناجيل، مستندين الى الامور التي استلموها ممن كان قبلهم. وطبعا مسألة "استلموها" لا تعني بالضرورة التسليم يد بيد، وإنما وصلتهم بطريقة أو بأخرى.

 بعض الاناجيل صادقت عليها الكنيسة وأعتبرتها قانونية، وهي الاربعة الموجودة حاليا، والتي لم تحظى بموافقة الكنيسة تم اتلافها، مع انهم جميعا كتبوا اناجيلهم مستندين الى المصادر التي استلموها، بحسب ما يقوله لوقا!

هذه المصادر التي استلموها، ونقلوا منها الى اناجيلهم، لم يعد لها وجود الآن... المصدر مفقود! هذا المصدر المفقود هو ما تم الاصطلاح على تسميته بإنجيل كيو (Q).

مرقس ايضا كانت لديه مصادر مكتوبة. يمكن التعرف عليها من طريقة عرضها. فمثلا في الفصل الرابع (4: 3 - 32) يسرد مجموعة من الحكم والامثال، وبهذا السرد يبدو انه ينسخ من صحيفة، ولو لم يكن ينسخ من صحيفة، لكان وزعها على فصول مختلفة، بدلا من حشرها كلها في فصل واحد.

شخصية يسوع في انجيل يوحنا تختلف كل الاختلاف عن شخصيته في الاناجيل الثلاثة الاخرى، والحقيقة هي ان شخصيته في يوحنا تعكس شخصية كاتب الانجيل. يوحنا يأخذ كلام يسوع ثم يعيد كتابته بأسلوبه الخاص، حتى انه في بعض الاحيان يستحيل التمييز بين كلام يسوع وبين تعليق كاتب الانجيل على كلامه. وايضا يكرر باستمرار التأكيد على ان يسوع كائن بطبيعة إلهية، وينسب هذا الكلام ليسوع.. هذا التأكيد المستمر، ووضع التأكيد على لسان يسوع، يدل على وجود قوم يخالفونه الرأي، وهو يريد اقناعهم بأي طريقة. القران مثلا يكرر باستمرار، وفي السُور المكية بالذات، ان الله واحد لا شريك له، والتفسير الطبيعي لهذا التكرار هو وجود جماعة كبيرة من الناس تخالف طرحه.

وبعد هذه المقدمة الموجزة، لنرى الان أمثلة على قيام لوقا ومتى بتحريف النص المقتبس من المصدر المفقود، انجيل كيو (Q).

آية يونان النبي:

لوقا متىّ
11: 29 ... هذا الجيل شرير يطلب اية و لا تعطى له اية الا اية يونان النبي
11: 30 لانه كما كان يونان اية لاهل نينوى كذلك يكون ابن الانسان ايضا لهذا الجيل
11: 32 رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل و يدينونه لانهم «تابوا بمناداة يونان» و هوذا اعظم من يونان ههنا
12: 39 ... جيل شرّير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلاّ آية يونان النّبيّ.
12: 40 لأنّه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيّام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيّام وثلاث ليال.
12: 41 رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لأنّهم «تابوا بمناداة يونان» وهوذا أعظم من يونان ههنا

اختلاف الالفاظ بعض الشيئ ليس بالمشكله، والاناجيل بأي حال مكتوبة بالمعنى.

لاحظ كيف قام متىّ بتحريف النص في الاية 12: 40 واخرجه من مضمونه، وقارنه بالاية 11: 30 من انجيل لوقا. متىّ غير النص عن مساره وأدخل فيه فكرة جديدة تختلف اختلافا كليا عمّا كتبه لوقا!

يونان النبي رجل ابتلعه حوت ثم ألقى به على الشاطئ ، بطريقة سرية لم يرها أحد ولم يسمع بها أحد. نفتح كتاب يونان في العهد القديم ولانجد ان هذه الاية كانت لأحد سوى ليونان نفسه. لم يخبر بها يونان أحد ولم يعلم بها أحد من أهل نينوي، فكيف يمكن ان تكون آية لهم وهم لم يروها. فإذا أخبرتك مثلا ان حوتا ابتلعني، فهل ستصدقني؟

آية يونان التي قصدها يسوع لا علاقة لها بالحوت كما توهم متىّ وكتب وحرف في انجيله. تجد تفسير آية يونان التي قصدها يسوع في الاية الاخيرة ، "لانهم تابوا بمناداة يونان". مناداة يونان ، الطريقة التي كان ينادي بها يونان أهل نينوي هذه كانت آيته. المسألة واضحه، تابو بمناداته، ولا علاقة للحوت بتوبتهم. شاهدوه وهو يدعوهم بلا كلل ولا ملل من بداية اليوم الى آخره فتأثروا به وآمنوا. قالوا لا يمكن ان يكون هذا الرجل كاذب وهو يبذل هذا المجهود الجبار، لابد انه صادقا فيما يقول. بالمعنى المختصر: يونان بنفسه كشخص ، والطريقة التي كان يدعوهم ويناديهم بها ، هذه آيته، وليس لأنه دخل في حوت أو خرج من حوت.

هذا النص كتبه مرقس بطريقة مختصرة جدا، ولكن المعنى لم يتغير كثيرا، فقال: "لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحقّ أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية" (مرقس 8 : 12). لا يونان ولا غيره - أتريد آية؟ إنسى، نجوم السما أقرب لك.

مثال ثاني، الخيرات عند متىّ أصبحت الروح القدس عند لوقا:

لوقا متىّ
11: 9 وانا اقول لكم اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم
11: 10 لان كل من يسال ياخذ و من يطلب يجد و من يقرع يفتح له
11: 11 فمن منكم و هو اب يساله ابنه خبزا افيعطيه حجرا او سمكة افيعطيه حية بدل السمكة
11: 12 او اذا ساله بيضة افيعطيه عقربا
11: 13 فان كنتم و انتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الاب الذي من السماء يعطي «الروح القدس» للذين يسالونه
7: 7 اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم
7: 8 لان كل من يسال ياخذ و من يطلب يجد و من يقرع يفتح له
7: 9 ام اي انسان منكم اذا ساله ابنه خبزا يعطيه حجرا
7: 10 و ان ساله سمكة يعطيه حية
7: 11 فان كنتم و انتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السماوات يهب «خيرات» للذين يسالونه

يسوع يضرب لاتباعه مثل بسيط ، فيقول ، اذا كنتم انتم الاشرار لا تعاملون ابنائكم الا احسن معاملة، فما بالكم بأباكم الذي في السموات. فالاب منكم اذا سأله ابنه خبزا لا يعطيه حجرا، أو يسأله سمكة فيعطيه حيّه. فقام لواقا وحرف في النص، وجعل الروح القدس بدلا من الخيرات الدنيوية البسيطة التي قصدها يسوع!

طبعا نحن لا نحاول أخذ كل شاردة وواردة على انها تحريف. فمثلا الاية (11: 12) في لوقا لا يقابلها شيئ في متىّ، ولكن بما ان المعنى نفس الشيئ، فلا مشكلة في ذلك. المشكلة تكمن في تغير المعنى الذي يقود الى تغير الاعتقاد، هذه هي الطامة الكبرى.

ها نحن الان نراهم يلفقون ويختلقون أشياء لا اساس لها من الصحة، فكيف يمكن تصديقهم في أشياء لم يؤكدها مصدر مستقل؟

مرقس لا يزايد عليه أحد... يزعم انه أعاد اكتشاف يسوع وفهم رسالته التي لم يفهمها تلاميذه وأقرب المقربين إليه!

فمثلا نجده يقول: "لانه كان يعلم تلاميذه و يقول لهم ان «ابن الانسان يُسلم الى ايدي الناس فيقتلونه و بعد ان يقتل يقوم في اليوم الثالث». و اما هم ((فلم يفهموا))" (مرقس 9: 31 - 32).

لاحظ قوله "يُعلم تلاميذه"، صيغة الحاضر، أي ان هذه ليست المرة الاولى، وانما كان يعلمهم باستمرار، ولكنهم لا يفهمون!

الوحيد الذي فهم ما يقوله يسوع هو مرقس فقط. حتى أن كاتب انجيل متىّ لم يفهم، واستعصى عليه هذا اللغز العجيب الغريب! فنجده كتب النص الذي نسخه عن مرقس بطريقة تختلف بعض الشيئ: "قال لهم يسوع: «ابن الإنسان سوف يسلّم إلى أيدي الناس فيقتلونه وفي اليوم الثّالث يقوم» ((فحزنوا جدّا))." (متىّ 17: 22). لم يستوعب متىّ كيف يمكن لهذه الجملة السلسة البسيطه ان لا يفهمها التلاميذ، فاستبدل «لم يفهموا» بـ «حزنوا جدا». المسكين متىّ على نياته، لم يكن يعلم ما كان يدور في خيال مرقس.
 

رسالة يعقوب

توجد رسالة كتبها يعقوب رئيس كنيسة القدس، أول كنيسة في العالم. وفي العرف المسيحي يعتبر يعقوب أخو يسوع. رسالة يعقوب موجودة من ضمن كتب العهد الجديد، وهي من الرسائل التي اعتبرتها الكنيسة قانونية. كتب رسالته في حدود سنة خمسين ميلادي. ولم يتحدث في رسالته عن أي آلام ومعاناة وجدها أخاه. ولم يذكر موته على الاطلاق، ناهيك ان يقول انه جاء ليموت من اجلكم أو ليحرركم من لعنة الناموس. وعن هذه الرسالة يقول احد مؤرخي العهد الجديد: 

رسالة يعقوب
Epistle of James
Udo Schnelle - The History and Theology of the New Testament Writings, pp. 385-386
http://www.earlychristianwritings.com/james.html
"إذا كان يعقوب، اخ الرب يسوع، هو مؤلف الرسالة، فإنه شيئ مدهش ان نجد في الاية (5: 10 - 11) ان أيوب وليس يسوع، هو المثل الذي يقتدى به في الاستعداد لتحمل المعاناة." "If James the Lord's brother were the author of the Letter, then it is amazing that in James 5.10-11 it is Job and not Jesus who serves as an example of willingness to suffer."

وعلى هذا نرى ان يسوع في نظر أخيه يختلف اختلافا كليا عن يسوع الذي ذكره مرقس في انجيله. فهل يعقل ان يكون مرقس الذي كتب انجيله في روما، ولم يقابل يسوع قط، عرف يسوع أكثر من أخيه؟

لوقا يُفجر مفاجأة!

يسوع للص: اليوم تكون معي في الفردوس

موقف غريب وعجيب قال انه حدث مع يسوع وهو على الصليب مع لص صُلب معه في نفس الوقت: "فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا 23: 43)

اليوم ما غيره؟

ولا حتى ليلة واحدة في القبر؟

اذا كنّا سنأخذ قصة الصلب كحقيقة مطلقة، والقيامة المزعومة كحدث لابد منه، فهذه الاية تنسف القيامة من جذروها.

كل الترجمات الانجليزية المشهورة تكتب الاية كما هي في الاعلى.

شهود يهوه ارادوا التغلب على المشكلة، فصاغوا النص كالتالي:

"وقال له يسوع: الحق أخبرك اليوم، ستكون معي في الفردوس"
"And he said to him: Truly I tell you today, you will be with me in Paradise."
New World Translation (2013 Revision)
https://www.jw.org/...

لاحظ كيف اعادوا صياغة الجملة ثم وضعوا الفاصلة بعد اليوم.. يعني انا اخبرك اليوم، ليس انت ستكون معي في الفردوس اليوم.

حاول البحث باستخدام هذه المفردات (luke 23:43 Today) وستجد ان ما كتبه لوقا مشكلة كبيرة ومثيرة للكثير من التساؤلات.

من لا يقول الحقيقة يقع في اخطاءٍ رغما عن انفه، لذا يقال: قل الصدق ولا تتذكر شيئ.
 

توضيح مصطلح "صليب" في انجيل كيو

توجد في انجيل توما، الانجيل المكتشف في نجع حمادي، آية ربما تبدو ظاهريا بأن يسوع كان يتوقع موته على صليب روماني، وهي من الايات المدرجة في خانة انجيل كيو، وهي التي في لوقا كالتالي:

"وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني" -- (لوقا 9: 32).

ما يُسمى انجيل كيو، المصدر المشترك، هو في الاصل انجيل اغريقي. مؤلف انجيل توما نقله الى انجيله، مثلما نقله متّى ولوقا الى انجيليهما. انجيل توما ايضا اغريقي الاصل، ولكن النسخة الكاملة من الانجيل الموجودة حاليا مكتوبة باللغة القبطية. عرف الباحثون ان انجيل توما اصله اغريقي لوجود قصاصات من الانجيل باللغة الاغريقية موجودة في نفس الموقع الذي اكتشفوا فيه النسخة القبطية، وقصاصات اغريقية من نفس الانجيل وجدوها ايضا في مواقع اخرى في مصر (المصدر: ويكيبيديا). وبما ان القصاصات الاغريقية من الانجيل موجودة في اكثر من موقع، فهذا يعني ان المصريين اتوا بهذا الانجيل من الخارج ثم ترجموه الى لغتهم. ويقول كاتب الصفحة في ويكيبيديا ان صياغة الجمل في النسخة القبطية تختلف احيانا اختلافا كبيرا عن نظيراتها الاغريقية. وبناءا على هذا فلابد من اعادة الانجيل الى لغته الاصلية لمعرفة المصطلحات التي استخدمها كاتبه الاصلي، الاغريقي. والافتراض البديهي ان هذه المصطلحات هي نفسها الموجودة في لوقا ومتّى.

الان اذا أعدنا كلمة "صليبه"  الى اصلها الاغريقي (stauros)، والزمن الذي قيلت فيه، فهي تعني بكل بساطة عمود خشبي. وفي حالة العقوبة، ممكن ان يكون العمود صليب روماني، أو خشبة تعليق المرجوم عند اليهود. النص يقول ان يسوع "قال للجميع"، فهل كل من يتبع يسوع عرضة للصلب الروماني؟ أو عرضة للرجم والتعليق اليهودي؟ الذين اضطهدوا اتباع يسوع من بعده، ورجموا ستيفانوس ويعقوب حتى الموت، هم اليهود وليس الرومان. مخالفة شريعة موسى شأن يهودي بحت ولا دخل للرومان به. وبما ان اليهود لا يصلبون، فلابد ان المقصود هو عمود التعليق بعد الرجم. ورأينا في الفصل المعنون: يسوع في التلمود، ان تعبير اليهود عن (المرجوم المعلق) هو ان يصفوه بالمعلق فقط. بولس في رسائله يتحدث عن خشبة يسوع: "واما من جهتي فحاشا لي ان افتخر الا بصليب [بخشبة] ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 6: 14)، وبما ان يسوع يهودي وقضى حياته في مجتمع يهودي، فهو بكل تأكيد يستخدم تعابير اليهود وما تعارفوا عليه من مصطلحات، أي انه قصد خشبة التعليق بعد الرجم.

بالاضافة لذلك، فإن النص ليس فيه نبؤات ولا توقعات، وانما تعبير عن المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها اتباعه، التي يمكن ان يبلغ اقصاها الرجم والتعليق.

 

16) تهمة لا يعاقب عليها القانون!

قال كتبة الاناجيل ان التهمة التي وجهها اليهود ليسوع هي التجديف على الله وادعائه انه ابن الله أو المسيح ابن المبارك.

"فسأله رئيس الكهنة أيضا: أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو...  فمزّق رئيس الكهنة ثيابه وقال: ما حاجتنا بعد إلى شهود؟" (مرقس 14: 61-63)

تخيل القاضي وهو واقف على منصة القضاء يمزق ثيابه!

ما قال عنه مرقس والذين نسخوا عنه تجديف، هو ليس في الحقيقة كذلك. في العرف اليهودي مصطلح المسيح ابن المبارك ليس بتهمة على الاطلاق. لأن اي شخص مسح بالزيت ممكن ان يطلق على نفسه، أو يطلق عليه الناس مسيح. وقوله ابن الله، هذه ايضا ليست بتهمة عند اليهود. لأنه في عرفهم ان أي شخص ملتزم بدينه يُدعى ابن الله. ولكن مرقس الاغريقي الذي لا يعرف شيئا عن مفاهيم اليهود اعتقد ان هذا التعبير يعني انه ابن الله بحق وحقيقه، جاء من صلبه! نظر لها بالنظرة الاغريقية وليست اليهودية.

الاقتباس التالي لأحد اليهود، ألف كتابا عن يسوع بعنوان، "يسوع في العرف اليهودي":

Jesus in the Jewish Tradition - Morris Goldstein
"استخدام العبارة «ابن المبارك» أو «ابن الله» ليست بجريمة تستحق الموت. والاشارة الى الجلوس عن يمين القوة (مرقس 14: 62) لا تفرق كثيرا عن تلميح الملك داوود عن نفسه يجلس عن يمين الله (مزمور 110: 1)، وفي أي حال من الاحوال، ليس في هذه التعابير ما يشير الى التجديف." "Use of the phrase «Son of the Blessed» or «Son of God» was no capital crime. The reference to sitting at the right hand of power (Mark 14:62) is not greatly different from King David's allusion to himself sitting at the right hand of God (Psalms 110:1), at all events, it is nowhere indicated as blasphemy. "

لا صليب ولا مسامير ولا تهمة صحيحه، عن أي يسوع تتحدث هذه الاناجيل؟

في الرواية التلمودية التي سبق ورأينا كانت تهمته السحر. وها هي الرواية مرة اخرى بصيغتها المختصرة:

يسوع في التلمود
Jesus in the Talmud
http://en.wikipedia.org/...
ساحر – السنهدرين 43a يروي محاكمة واعدام ساحر اسمه يسوع ("يشو" في العبريه) وتلاميذه الخمسة. الساحر رُجم وعُلق في عشية عيد الفصح. A sorcerer – Sanhedrin 43a relates the trial and execution of a sorcerer named Jesus ("Yeshu" in Hebrew) and his five disciples. The sorcerer is stoned and hanged on the Eve of Passover.

لا يوجد في جميع الاناجيل الاربعة على الاطلاق ما يشير الى ان اليهود اتهموه بالسحر، أو حتى نظروا اليه على انه ساحر، ولكن يُحتمل ان تكون هذه هي التهمة التي ادانوه بها، وذلك لأن القرآن ألمح الى شيئ من هذا القبيل: "واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا «سحر» مبين" (المائدة 110).

 

17) بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما -- فتشوا الكتب

يخبرنا يوحنا انه قبل وصول جند الهيكل، قال يسوع لربه وخالقه: "العمل الّذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يوحنا 17: 4). ويُفترض ان أي شيئ يحدث بعد ان اكتملت الرسالة لا قيمة له، وليس جزءا من المهمة. فكيف بعد هذا يمكن القول ان المهمة الاساسية، الصلب، لم تبدأ بعد؟ فأي عمل اكتمل إذن؟

المشكلة هي ان النصوص اختلط فيها الحابل بالنابل. لا يوجد نص إلا ويوجد نقيضه. ومسألة الترجيح بين نص وغيره لا تقوم على اسـس منطقيه وعقلانية، وإنما على أساس تغليب نص على غيره، على حسب المزاج والاعتقاد السائد بين اتباعه. أي نص لا يقود الى الصليب يتجاوزون عنه أو يحملونه على غير معناه الظاهر!

جميع النصوص التي تقود الى الصليب الروماني نسبت الى يسوع في أوقات متأخرة جدا، وذلك لتبرير عملية الصلب. ولو كانت تلك النصوص صحيحة لذكرتها الاناجيل الاقدم، ولو حتى بالمعنى. ولكن لا يوجد شيئ. إنجيل كيو المفقود، وبعد استثناء آية يونان التي اخترعها متّى، لن تجد فيه نص واحد يدل على ان يسوع جاء ليقتل نفسه من أجل أتباعه!

لا نعتقد ان كتبة الاناجيل نزل عليهم وحيٍ من السماء ولقنهم ما كتبوه.. كانوا بشرا عاديين جمعوا أقوال وامثال وقصص عن يسوع من مصادر كانت متوفرة لديهم، اضافوا عليها وانقصوا منها بحسب ما تقتضيه معتقداتهم، ولكن مهما طرأ على أقوال يسوع وسيرته من تغيير، فالكتبة لا يستطيعون أن يلغوا الموجود اذا كان يشترك في حيازته مجموعة من الناس.

يستطيعون ان يضيفوا على الموجود ثم يدّعون انهم حصلوا على الاضافة من مصادر اخرى، مثلما فعل متّى في اضافةِ نصٍ على اية يونان التي قصدها يسوع. ولكن اذا اراد احدهم ان يلغي النص المشترك أو تحريفه بطريقة تقلبه رأسا على عقب 180 درجة، فالاحتمال ان يُنكِرُ عليه من يشترك معه في النص، مما سيؤدي الى فشلِ انجيلهِ في الانتشار.

الطريقة الامثل هي ان تكتب النص المشترك كما هو، ثم تتحايل عليه بالاضافة لتفقده معناه. فمثلا النص في الاعلى، "العمل الّذي أعطيتني لأعمل قد أكملته"، تحايل عليه يوحنا في الفصل عن الصلب، ووضع على لسان يسوع وهو على الصليب هذه العبارة: "قد أُكمِل" (يوحنا 19: 30). هاتين الكلمتين ستوهم القارئ ان الاكمال الاول شيئ، وهذا الاكمال شيئ ثاني، وبعد ذلك لك الخيار في ان تُفسر النص كما تشاء، هذا لا يهم، الاهمية هي ان يجعلك تفهم النص الاول على غير معناه الظاهر.

وهل كان يمكن ليوحنا ان يُحرّف النص المشترك كالتالي: العمل الّذي أعطيتني لأعمل لم يكتمل؟ هذا تحريف شنيع سيجعل الناس يلقون بانجيله في الزبالة.. لكي يكسب ثقة جمهوره، لابد ان يكتب في انجيله معلومات هم يعرفونها، وبهذه الطريقة سيصدقونه في المعلومات الجديدة التي لا يعرفونها، التي يعطيهم اياها في كتابه.

القاعدة الاولى في التعاطي مع النصوص المتعارضة التي ينقض احدهما الاخر، سواءا كانت موجودة في اناجيل، أو في كتب دينية اخرى، او في كتب تاريخية، او غير ذلك، هي ان تلغيها كلها، من مبدأ: تناقضت فتساقطت. وان اعتمدنا هذه القاعدة، فلن يبقى معنا سوى انجيل كيو فقط، وهو لا يحتوي على صلب ولا موت ولا قيامة، ولكن فيه ما يدل على رحيله عن قومه قبل ان يتمكنوا من القبض عليه وقتله، "إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب" (متّى 23: 39)، (لوقا 13: 35).

القاعدة الثانية هي النظر في قناعات الكاتب ومعتقداته، وأي نص لا يتفق مع قناعاته، فهذا يعني انه كان مُلزما، لسبب ما، ان يدونه في كتابه. الحل ببساطة هو صرف النظر عن النص الذي "يتفق" مع قناعات الكاتب، واعتماد النص الاخر. وبناءا على ذلك، وبالنظر في الاناجيل، نجد في يوحنا نصوصا تؤكد بشكلٍ صريحٍ لا ريبَ فيه ان اليهود لم يتمكنوا من القبض على يسوع وقتله.

(1) رسالة الى خصومه من اليهود: "سمع الفرّيسيّون الجمع يتناجون بهذا من نحوه فأرسل الفرّيسيّون ورؤساء الكهنة خدّاما ليمسكوه. فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيرا بعد ثمّ أمضي إلى الّذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا." (يوحنا 7: 32 - 34). سيذهب الى مكان لا يقدرون الوصول اليه.. وكم مرة طلبه خصومه؟ مرة واحدة فقط، وهي عندما جاؤوا للقبض عليه. فهل وجدوه؟ هو يقول انهم لن يجدوه.
 
(2) رسالة مماثلة الى التلاميذ: "يا أولادي أنا معكم زمانا قليلا بعد. ستطلبونني، وكما قلت لليهود: حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن" (يوحنا 13: 33). وأين سيذهب؟ كما قال لليهود: أمضي الى الذي أرسلني. هذا النص يرينا انه لم يكن يوجد تنسيق بين يسوع وتلاميذه عندما رحل عنهم الى السماء. رحيل مفاجئ. سيطلبونه ولن يجدوه. وما كتبه لوقا في انجيله وفي اعمال الرسل عن رحيله في سحابة غير صحيح.
 
(3) حان وقت الرحيل: "أمّا الآن فأنا ماضٍ إلى الّذي أرسلني" (يوحنا 16: 5). وكان هذا الكلام قبل وصول جند الهيكل بلحظات.
 
(4) لحظة زمنية حاسمة: "هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرّقون فيها كلّ واحد إلى خاصّته وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأنّ الاب معي" (يوحنا 16: 32). ما نجد هنا انه ستأتي عليه لحظة زمنية يبقي فيها وحده، ليس معه أحد الا الله. لا أحد يعلم ما الذي حدث في اللحظة التي بقي فيها وحده.
 
(5) النداء الاخير قبل الاقلاع: "أَمَّا الآن فَإِنِّي آتي إِلَيك" (يوحنا 17: 13).
 
(6) حلقة الوصل: شُبّهَ لهم.

وبعد التخلص من النصوص الملفقة التي تقود الى السراب، والقصة التي ألفها مرقس في روما، ثم نقرأ النصوص في الاعلى، مع الاخذ بعين الاعتبار الضريح الفارغ، وصورة يهوذا الاسخريوطي وهو محطم الجمجمة ومنشق من الوسط، فلن يكون أمامنا من استنتاج سوى انه "شُبّهَ لهم".

المكان الذي ذهب اليه يسوع لا يقدر التلاميذ ان يصلوا اليه: "حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا"، وقال نفس الكلام لليهود في الهيكل.

لم يطلبه اليهود سوى مرة واحدة فقط. فإن كانوا قد وجدوه فقد باءت نبؤته بالفشل. التلاميذ أيضا سعوا في طلبه بعد ظهور الاشاعات عن قيامته، وربما ذهبوا الى الجليل ومدن أخرى، ولكنهم لم يجدوه، لأنه ذهب الى مكان لا يقدرون الوصول اليه، لا هم ولا اليهود، "أمضي الى الذي أرسلني".

تأتي عليه ساعة يتفرق فيها تلاميذه كل واحد منهم يذهب الى خاصته ويتركونه وحده. ما الذي حصل في هذه اللحظة، وكيف جرت الاحداث؟ الله اعلم.

ربما يقول قائل ان النصوص في الاعلى واضحة جلية، فكيف جهلها اتباعه وبنوا تصوراتهم على الظنون؟ صحيح انها واضحة وضوح الشمس، ولكن ينقصها كلمة السر: "شُبّه لهم". فإذا لم تأخذ مفتاح اللغز بعين الاعتبار فلن تستطيع حل اللغز أبدا، وستبدو لك النصوص ضبابية، وربما ستقول انه ذهب الى ربه بعد موته. ولكن "الآن" تعني "الآن"، قبل ان يجدوه ويمسكوا به: "ستطلبونني ولا تجدونني"، "أمّا الآن فأنا ماض إلى الّذي أرسلني". المشكلة ان حلقة الوصل مفقوده: شُبّه لهم!

يقول بعض المسيحيين ان محمدا انكر صلب المسيح لغرض الاضرار بالمسيحية! كان ممكن ان يحصل على نفس النتيجية، وربما نتيجة افضل، لو انه انكر نبوة المسيح من اساسها، كما يفعل اليهود، وفي هذه الحالة سيكون لديه من يؤيد طرحه ويشاركه الرأي، بدلا من مواجهة الطرفين وحده، ويجمعهم ضده، بتشنيعه الطرفين معًا، اليهود بكفرهم بالمسيح وقولهم على أمهِ مريم بهتانا عظيما، والمسيحيين بتأليهه. ولكنه رسول، وما على الرسول الا البلاغ، من دونِ مراعاةٍ لمشاعر أو معتقدات أحد.

ويقولون ايضا انه محال ان يضلهم الله كل هذه القرون وهم يعتقدون بموته وقيامته ثم يتبين لاحقا انه لم يمت.. من اجبركم على ان تجعلوا من موته قضية؟ وهل كان الرسل الذين سبقوه ماتوا من اجل اتباعهم؟ موت المسيح وقيامته لم يكن لهما اهمية في بداية المسيحية لدى تلاميذه واتباعه اليهود، والدليل هو ان انجيل كيو ليس فيه شيئ عن الموت والقيامة. الكتب الدينية تحتوي على اهم اركان الدين واساسياته، وبما ان كاتب انجيل كيو لم يكتب عن الموت والقيامة شيئ، فهو بكل تأكيد لا يرى انها معلومات تستحق الذكر.. ياما اشخاص ظن بهم الناس انهم ماتوا ودُفنوا، ثم يتضح بعد فترة انهم لا يزالون احياء، ولله في خلقه شئون، فلماذا لا تعتبرون يسوع كأحد هؤلاء الذين اعتقد الناس بموتهم وهم في الحقيقة احياء؟ "مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ" (المائدة 75)، لا توجد مشكلة في الاعتقاد بموت شخص، او حتى الاعتقاد بقيامته من الموت، المشكلة هي ان تنسب له اشياء هو لم يقلها، ثم تخترع دين جديد مبني على الادعاءات والمزاعم المنسوبة اليه.

"بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما" -- الله عزيز جبار قادر على فعل ما لا يتصوره عقل بشر، ولكنه حكيم، يفعل الاشياء لسبب. ثم نجد من يقول لماذا لم يظهره الله لليهود لكي يؤمنوا به ان كان فعلا قد انجاه من الموت؟ نفس المنطق يمكن ان يقال عن قيامته من الموت، لماذا لم يذهب الى اليهود ويُثبت تغلبه على الموت حتى يؤمنوا به؟ -- القضية وما فيها انه رفعه اليه لسبب هو ادرى به، وليس للاستعراض، ولا حتى ميزة له على غيره من الرسل، ولكن مهمة هذا الرسول تختلف عن غيره. حتى ولو اظهره لهم، كيف علمتم انهم سيؤمنون؟ سيقولون ساحر. وبدلا من ان يحاولوا قتله لكي لا يقعوا في الفخ مرة أخرى، فالاحتمال انهم سيقتلون كل من يتبعه. من ناحية أخرى، اعتقد فيه الجميع انه قتل ثم عُلق على خشبة مثل الفأر الميت، ومع ذلك جعله اتباعه إله! فماذا عساهم جاعليه لو عرفوا الامر على حقيقته؟ "وكان الله عزيزا حكيما"

 

18) الختــــــــــــــــــــام

المقدمات الصحيحة تقود الى نتائج صحيحة. والمقدمات الخاطئة تقود الى نتائج خاطئة.

قصة الصلب بشكل خاص، ومعاناة المسيح بشكل عام، شغلت الباحثين عن الحقيقة منذ زمن بعيد جدا، ولكنها تبلورت وزاد عدد الباحثين عنها في العصر الحديث أكثر من أي وقت مضى. وقد سبق وتحدثنا في فصل سابق عن بحث بعنوان «رواية معاناة المسيح قبل مرقس»، (pre-markan passion narrative). هدف البحث هو ايجاد كتابات سبقت مرقس، تصور يسوع بالطريقة التي صورها مرقس، والطريقة التي مات عليها. جميع المحاولات التي أجريت في هذا الخصوص باءت بالفشل الذريع. "لا توجد اشارة الى موت يسوع بطريقة الصلب في أي مادة عن يسوع سبقت مرقس" -- (بَرتون ماك، باحث ومؤلف في التاريخ المسيحي وكتب العهد الجديد).

وكما كان شأن الجهود السابقة، فإن جميع الجهود المستقبلية في البحث عن يسوع مرقس سوف تفشل أيضا. والسبب الذي سيؤدي الى فشلها، كما ادى الى فشل سابقاتها، هو المقدمات الخاطئة التي تبدأ بها. جميعها تبدأ بإلغاء جملة من المصطلحات والنصوص أو حملها على غير معناها. وإن أُخذت كما هي، من غير تجاوز ولا استثناء، لأدت الى نتيجة مغايره.

لابد للباحث من قراءة النصوص بالمعنى الذي تحمله النصوص، لا تحميلها المعني الذي يريده الباحث. وإن كان لا محاله، خذ الاحتمالين، ثم ابحث عن أيهما الاصح. بالاضافة الى الاحتمالين، لابد من أخذ العبارة القرآنية "شبه لهم" بعين الاعتبار. وإن فعلت ذلك، لتوصلت الى نفس النتيجة التى تجدها في هذا التقرير!

وبهذه الخاتمة نصل الى نهاية الموضوع.

 

End of Body

Script:DoPrintDlg